الأخبار

تأجير شوارع القاهرة لمالكي السيارات يثير سخطا ضد الحكومة

القاهرة- أحدث بدء الحكومة المصرية تطبيق قانون تنظيم انتظار المركبات مؤخرا في الشوارع انقساما حادا في ظل عشوائية بعض المسؤولين في المحافظات في تطبيق نصوص التشريع الذي صادق عليه الرئيس عبدالفتاح السيسي في يوليو الماضي.

وبدأت محافظتا القاهرة والجيزة القريبة منها، تحصيل رسوم انتظار السيارات من أصحابها بطريقة أثارت استياء المؤيدين والمعارضين للحكومة، ويبلغ التحصيل الشهري عن السيارة الواحدة 300 جنيه (20 دولارا).

وتقول الحكومة المصرية إنها تهدف من وراء القانون إلى ضبط منظومة تحصيل الأمور من أصحاب السيارات مقابل الانتظار في الشوارع، ووقف ظاهرة بلطجة “السايس”، وهو شخص أشبه بـ”البلطجي” يحصل على هذه الأموال ويضعها في جيبه الخاص ولطالما أثار امتعاض الناس.

كريم العمدة: قانون انتظار السيارات مصيره التجميد ووضعه في الأدراج

ويرى معارضون أن قانون تنظيم انتظار المركبات يقنن البلطجة بدلا من القضاء عليها، لأنه سمح لأشخاص بالتعاقد مع الأحياء ليحتكر كل منهم جمع الأموال من أصحاب السيارات نظير حصول الحكومة على 75 في المئة من العائد.

وضجت منصات التواصل الاجتماعي بالغضب ضد إجبار صاحب كل سيارة على دفع مبالغ مالية نظير وقوفها بالشارع حتى لو كان ذلك أسفل المنزل، باعتبار أن هذه الأماكن يفترض أنها ملكية عامة لم يعتد المصريون تأجيرها.

ولدى شريحة من المواطنين نظرة مريبة تجاه “السايس” لأنه يمارس البلطجة ويحصّل الأموال عنوة، وكثيرا ما تعالت الأصوات بضرورة تدخل الحكومة لحماية الناس من تجاوزاته، فقامت بتقنين أوضاعه وتسليمه الشوارع لتأجيرها بعقود موثقة مع الأحياء.

وما يثير امتعاض الكثيرين أن القانون لن يتم تطبيقه على كل المواطنين، وأظهرت مؤشرات التنفيذ أنه يقتصر تفعيله على سكان الشوارع الرئيسية والحيوية ما يشكل استهدافا وعنصرية تجاه شريحة بعينها لمجرد أنهم من قاطني المناطق الراقية.

ويبرر الرافضون موقفهم بأن سكان القرى والمناطق الشعبية لديهم أيضا سيارات، لكن من المستحيل أن يطبق عليهم القانون ولا يصح دستوريا أن يصدر تشريع بعينه ليستهدف شريحة محددة لمجرد أنها تقطن أماكن ترى الحكومة أنها تمتلك رفاهية.

وتخشى دوائر سياسية أن يتسبب القانون في تصاعد وتيرة التذمر بين الطبقة المتوسطة التي صارت أكثر غضبا لكثرة استهدافها بضرائب مضاعفة وزيادة في أسعار الخدمات مثل الكهرباء ومياه الشرب والمرور، وبدأت تتآكل تدريجيا.

وتتضمن قوانين تنظيم المرور دفع مالكي السيارات ضريبة على استخدام الشوارع، أيّ أن المواطن يدفع تكلفة الانتظار للحكومة التي ترغب في أن يدفعها مرة ثانية بقانون مفصل لذلك، ما دفع غاضبين إلى مطالبتها بأن تتكفل بحراسة السيارات نظير أموال الانتظار كنوع من السخرية، باعتبار أن “السايس” يجبر الناس على الدفع مقابل مسؤوليته عنها طوال فترة توقفها.

مؤشرات تظهر أن التنفيذ يقتصر تفعيله على سكان الشوارع الرئيسية والحيوية ما يشكل استهدافا وعنصرية تجاه شريحة بعينها

ويقول مؤيدون للحكومة إن دفع أموال مقابل انتظار السيارات في الشوارع يتم تطبيقه في كثير من دول العالم بطريقة حضارية وتمنع الابتزاز والبلطجة، ويشترط لذلك شوارع ممهدة وواسعة وأماكن انتظار مجهزة.

وأظهر الجدل السياسي الحاصل أن هناك دوائر داخل الحكومة ترفض هذا القانون لأسباب ترتبط بتوقيت التطبيق وارتفاع وتيرة الغضب في الشارع وإمكانية أن يتسبب في حدوث توترات على وقع تحول البلطجة والابتزاز من حوادث فردية إلى ظاهرة.

وتبدو هناك دوائر أخرى تتمسك بضرورة الضغط على الناس الذين يمتلكون قدرا من الوفرة المالية، مثل أصحاب السيارات، باعتبار أن هذه الشريحة لا يمكن مقارنتها بالفقراء والمهمشين ولا مانع من اللجوء إلى جيوبهم للتخديم على التنمية.

وجاء قرار خالد عبدالعال محافظ القاهرة الأربعاء بفرض رسوم مبالغ فيها على تصوير الأعمال الفنية بالشوارع والميادين، ثم التراجع عن ذلك بعد ساعات على وقع غضب برلمانيين ومواطنين وسينمائيين ومثقفين ليعزز وجود فريقين متعارضين داخل دوائر السلطة، الأول يستسهل الجباية، والثاني يتحفظ عليها.

وأصبح بعض المسؤولين أكثر تهورا في طريقة التصرفات المرتبطة بتحصيل الأموال من جيوب المواطنين، وصارت بعض القوانين تفتقد إلى الدعم الشعبي وتصدر بما يجعل شريحة المؤيدين للحكومة لا يستطيعون الدفاع عنها.

وأكد كريم العمدة المتخصص في الاقتصاد السياسي أن قانون انتظار السيارات “مصيره التجميد ووضعه في الأدراج، لأنه من نوعية التشريعات التي تصدر بشكل عشوائي ودون فهم لطبيعة المواطن الذي صار أكثر تمردا ضد فكرة الجباية”.

وأضاف لـ”العرب” أن الحكومة لا تمتلك آلية التطبيق والمشكلة أن هناك دوائر رسمية تعتقد أن كل مالك سيارة لديه وفرة مالية، وهذه كارثة لأن الاقتناع بذلك يقود إلى إصدار المزيد من القوانين التي تزيد الأعباء المعيشية ما يعكس أن الشارع في وادٍ والجهات التشريعية في واد آخر تماما.

الحكومة تسعى إلى ضبط منظومة تحصيل الأمور من أصحاب السيارات مقابل الانتظار في الشوارع،
الحكومة تسعى إلى ضبط منظومة تحصيل الأمور من أصحاب السيارات مقابل الانتظار في الشوارع،

ولا تمتلك الحكومة آليات محددة لإجبار المواطنين على الدفع، لأن التدوينات التي نشرها كثيرون على منصات التواصل تعكس ارتفاع نبرة التحدي والتهديد لأي جهة أو شخص يقوم بفرض نقود على انتظار السيارات ما يحول الشارع إلى الصدام.

ويرى مراقبون أن تحميل المواطن فاتورة التنمية في منطقته السكنية يكرس لدى الشارع العشوائية في التخطيط، لأن إجبار الناس على دفع مبالغ نظير توقيف سياراتهم تحت منازلهم لاستغلال الأموال في المشروعات التنموية بالمحافظة يجعلهم أكثر كراهية لكل ما يرتبط بالتطوير.

ويؤكد هؤلاء أن استسهال إصدار قوانين تكرس الجباية على المواطنين يبرهن على وجود مسؤولين يستهويهم الولاء للسلطة والتفكير في حلول لأزماتها المالية وممارسة ضغوط مستمرة على الناس بطريقة لا تتسم بالحكمة.

ويخلص العمدة إلى أن إحدى سوءات القانون أنه جزء من توصيات صندوق النقد الدولي، حيث طالب بأن تكون لدى كل محافظة قدرة مالية خاصة بها بعيدا عن الموازنة العامة للدولة، وهناك المزيد من التشريعات المقبلة التي تحمّل الناس فاتورة إنعاش خزانة الإدارات المحلية بالأموال.

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى