أخباررياضية

المغربي ياسين بونو يسير على خطى صلاح ومحرز

ما الذي يعنيه أن تمتلك حارسا كبيرا؟ بالتأكيد يعني ذلك أن يتدخل هذا الحارس في الوقت المناسب ليصنع الفارق لك وينقلك من حالة إلى حالة في المباريات الاعتيادية، والهامة على وجه الخصوص. وهذا بالضبط ما فعله ياسين بونو مع إشبيلية، حيث لعب الأسد المغربي دورا بارزا في تتويج الفريق الإسباني بلقب الدوري الأوروبي للمرة السادسة في تاريخه.

الرباط – يشعر الجميع من أنصار كرة القدم العالمية في الوطن العربي بالكثير من الفخر بسبب النجاحات الرائعة لمحمد صلاح بقميص ليفربول في السنوات الماضية والأمر ذاته بالنسبة لرياض محرز بقميص مانشستر سيتي لكون اللاعب المهاري دائما ما يدخل قلوب عشاق الساحرة المستديرة من أوسع الأبواب عكس قلوب الدفاع أمثال مهدي بنعطية أو نورالدين النيبت اللذين حققا نجاحات كبيرة في عالم الاحتراف الأوروبية لكنهما لم يحظيا بالإشادة التي يستحقانها بسبب مركزهما الدفاعي.

الأمر نفسه ينطبق على الأسد المغربي البالغ من العمر 29 عاما ياسين بونو الذي لعب دورا بارزا في تتويج إشبيلية الإسباني بلقب الدوري الأوروبي للمرة السادسة في تاريخه بعد الفوز في النهائي 3-2 على إنتر ميلان الإيطالي.

ووفقا لما أكدت مصادر من المفاوضات لوكالة الأنباء الإسبانية فقد توصل نادي إشبيلية إلى اتفاق مع الحارس المغربي لتوقيع عقد لمدة أربعة مواسم ستدخل حيز التنفيذ بعد أن يقوم النادي الأندلسي بدفع أربعة ملايين إلى جيرونا لشرائه بشكل نهائي.

وكان بونو صاحب الـ29 عاما، والذي لعب للمنتخب المغربي 11 مباراة، قد انتقل لصفوف إشبيلية معارا لمدة عام، ورغم خوضه 18 مباراة فقط بقميص النادي، إلا أنه كان أساسيا في المرحلة الأخيرة من بطولة الدوري الأوروبي، الذي توج به النادي الإسباني، بعد تألق واضح من قبل الحارس.

الحارس المغربي وقف سدا منيعا أمام أقوى المهاجمين وتصدى لأهداف كانت حاسمة لمنافسين عبروا عن اندهاشهم لقوة هذا العملاق

كما انضم بونو إلى التشكيلة المثالية ليويفا لبطولة الدوري الأوروبي بعد مساهمته في تتويج فريقه باللقب للمرة السادسة في تاريخه.

ويعد بونو أحد الحراس المميزين الذين ظهروا بقوة في الفترة الأخيرة واستطاعوا أن يكسبوا ثقة المدير الفني للفريق جولين لوبيتيغي الذي اعتمد عليه في الفترة الأخيرة وكان عند حسن ظنه.

واستطاع الحارس المغربي أن ينقذ مرمى إشبيلية سواء في الدور قبل النهائي أمام مانشستر يونايتد أو النهائي عند مواجهة إنتر ميلان، من خلال التصدي للعديد من الانفرادات الصريحة التي كانت قد تتسبب في عكس سير المباراة.

وخاض بونو مسيرة طويلة مع الساحرة المستديرة، حيث بدأ في صفوف الوداد المغربي، ثم بعد ذلك انتقل إلى صفوف أتلتيكو مدريد، لكنه لم يستمر طويلا، ليرحل بعدها إلى ريال سرقسطة ومنه إلى جيرونا، ليعيره الأخير إلى إشبيلية، حيث بات النادي الأندلسي يقاتل من أجل الحصول على خدماته بشكل نهائي.

ويستعد إشبيلية في الوقت الحالي لانطلاق الدوري الإسباني والمقرر أن يبدأ في الثالث عشر من شهر سبتمبر المقبل.

إمكانات مادية

لا يتوفر فريق إشبيلية على الإمكانات المادية الضخمة التي يتمتع بها ريال مدريد أو برشلونة، أو حتى أتلتيكو مدريد.. ولا تتوفر تركيبته على نجوم كميسي، أو بنزيمة، أو مودريتش، لكنه يتوفر على مجموعة متكاملة قوية ومنسجمة، قهرت أقوى الفرق الأوروبية في هذه البطولة.

ما يهم العرب، والمغاربة خصوصا، هو التألق الكبير للدولي المغربي الذي أبهر العالم بأسره، بتدخلاته الناجحة، وسرعة بديهته، حيث يرجع له الفضل في وصول الفريق الأندلسي إلى مباراة النهاية والفوز باللقب. ووقف بونو سدا منيعا أمام أقوى المهاجمين وتصدى لأهداف كانت حاسمة لمنافسين عبروا عن اندهاشهم لقوة هذا العملاق المغربي، الذي أنصفته الكرة بعد انتظار طويل.

أصبح بونو بعد هذا الإبهار حديث الصحافة العالمية، وتضاعفت أسهمه بشكل كبير، حيث تتهافت عليه حاليا العديد من الفرق الأوروبية والإسبانية على وجه الخصوص، للحصول على خدماته، خاصة فريقه الحالي إشبيلية الذي يعمل كل ما في وسعه من أجل إقناع فريقه جيرونا الذي أعاره هذا الموسم. لا شك أنه مكسب جديد للمنتخب المغربي بتواجد حارس كبير بين صفوفه من قيمة بونو، الذي يعتبر خير خلف في البطولة الإسبانية لمواطنه بادو الزاكي، الذي بصم على سنوات لا تنسى مع فريق مايوركا منذ سنة 1986 إلى بداية التسعينات. ويتمنى كثيرون أن يكون حظ هذا الشاب سعيدا والذي ما زالت أمامه سنوات كثيرة من التألق والإبداع.

مسيرة في الظل

ياسين بونو يكتب اسمه في تاريخ أوروبا
ياسين بونو يكتب اسمه في تاريخ أوروبا

مسيرة بونو كانت في الظل رغم التواجد مع أندية كبرى سواء في المغرب أو إسبانيا لكن في حالة المغربي بونو فالأخير ظل منتظرا الفرصة حتى ترجم صبره بالوصول إلى عرش الأندلس.

ولد بونو في كندا وتحديدا في مدينة مونتريال ليرحل بعد ذلك صاحب الجنسية المغربية إلى بلاده وتحديدا اللعب في صفوف فريق الوداد البيضاوي ليتدرج في فريق الشباب حتى الوصول إلى الفريق الأول ليشبّهه البعض بأنه سيكون خليفة للعملاق المغربي بادو الزاكي.

بعد مسيرة مع الوداد استمرت حتى موسم (2012 – 2013) رحل بونو بعدها في خطوة مهمة لفريق أتلتيكو مدريد وتحديدا في الفريق الثاني خلال عام 2013. ظّل الحارس في الفريق الرديف مع أتلتيكو مدريد لموسمين ليرحل بعد ذلك إلى فريق ريال سرقسطة على سبيل الإعارة من أجل الحصول على المزيد من الخبرة داخل أجواء الليغا.

واستطاع الحارس المغربي الشاب أن يخوض 38 مباراة مع ريال سرقسطة ليكتب بداية طريق النجاح في بلاد الأندلس، وهنا وجد حارس “أسود الأطلس” طريق العودة من جديد لفريق أتلتيكو مدريد أملا في الحصول على فرصة المشاركة. وبالفعل عاد بونو من جديد إلى قلعة “الروخي بلانكوس” لكن هذه المرة اصطدم بالحارس العملاق أوبلاك ومعه الحارس البديل مويا، ليترجم الحارس المغربي مجهوده بالحصول على فرصة المشاركة في 47 مباراة خلال أربعة مواسم.

ورغم محاولات بونو الحصول على فرصة في تشكيلة المدرب الأرجنتيني دييغو سيميوني إلا أنه قرر الرحيل عن فريق العاصمة ليتجه صوب إقليم كتالونيا من خلال اللعب مع فريق جيرونا.

ياسين بونو ينضم إلى تشكيلة يويفا المثالية لبطولة الدوري الأوروبي بعد مساهمته في تتويج فريقه باللقب للمرة السادسة في تاريخه

وفي صيف 2016، انتقل لخوض تجربة جديدة من خلال اللعب في صفوف جيرونا بعدما وقع مع الفريق الكتالوني لمدة ثلاث سنوات، ليكتب الحارس المغربي حضورا مميزا في الليغا خاصة في موسم (2018 – 2019).

مع جيرونا كتب بونو مسيرة كبيرة حيث شارك في 84 مباراة قبل أن يهبط الفريق الكتالوني ليقرر الحارس المغربي المخضرم الانتقال إلى صفوف إشبيلية الأندلسي على سبيل الإعارة. وتلقى المكافأة في إشبيلية من خلال إصابة الحارس الأساسي في الفريق توماس فاشليك في الركبة خلال يوليو الماضي ليصبح الحارس الأول لعرين الفريق الأندلسي. وأصبح بونو الحارس الأساسي في إشبيلية خلال اللحظات الحاسمة في مسابقة الدوري الأوروبي على الرغم من مشاركته في الأدوار التمهيدية، لينجح صاحب الـ29 عاما بعد ذلك في المشاركة ضد روما ثم وولفرهامبتون ومانشستر يونايتد ليقود فريقه للوصول إلى نهائي المسابقة ومن ثم الفوز باللقب على حساب إنتر ميلان بنتيجة (3-2).

وعلى الصعيد الدولي وتحديدا مع منتخب “أسود الأطلس” المغرب، التحق بونو في 2013 وعلى الرغم من ذلك لم يكن الحارس الأساسي في بلاده فقد كان بديلا في كأس الأمم الأفريقية 2017 ومن ثم في كأس العالم 2018.

وأصبح بونو بعد سبعة أعوام الحارس الأساسي للمنتخب المغربي وتحديدا في بطولة كأس أمم أفريقيا خلال النسخة الأخيرة 2019 والتي أقيمت بمصر. وشارك في ثلاث مباريات مع المغرب حتى الخروج من منتخب بنين في دور الـ16 من البطولة الأفريقية بعد الخسارة بركلات الترجيح (4-1) بعد نهاية المباراة في وقتها الأصلي والإضافي بنتيجة (1-1).

هاجرت أسرة بونو إلى كندا بحثا عن العمل هناك ليُولد حارس إشبيلية في مدينة مونتريال ويحصل على الجنسية الكندية. ولم يستقر بونو في كندا حيث قرر العودة للمغرب في فترة طفولته ليبدأ مشواره الكروي في بلاده ويتم تصعيده للفريق الأول للوداد بعمر 19 عاما قبل 10 أعوام.

طريقة عالمية

على طريقة كاسياس في إنقاذ إسبانيا بنهائي كأس العالم 2010 في جنوب أفريقيا من خلال التصدي التاريخي لآريين روبين فإن بونو كان رجل التصدي للانفرادات سواء في مواجهة أنتوني مارسيال لاعب مانشستر يونايتد في نصف نهائي الدوري الأوروبي أو أمام روميلو لوكاكو في النهائي.

وقبل نجاح برونو فرنانديز في تسجيل ركلة جزاء مبكرة لصالح يونايتد، استقبل بونو هدفا واحدا فقط في 6 مباريات. ووصفه مدرب يونايتد أولي غونار سولشاير في تصريحات صحافية بعد خسارة فريقه في نصف نهائي الدوري الأوروبي بأنه حارس مرمى خيالي، وقال عنه “حارس مرمى إشبيلية قدم مباراة رائعة ومن المخيب للآمال أننا لم نسجل”.

وفي نهائي الدوري الأوروبي تصدى بونو لانفراد كاد يقتل اللقاء لمصلحة روميلو لوكاكو مهاجم إنتر ميلان في الدقيقة 65 بينما كانت النتيجة متعادلة (2-2) ليحيي آمال ناديه ويساهم في تحقيقه للقب على طريقة كاسياس منذ 10 سنوات مع منتخب اللاروخا.

ويجمع بونو بين عدد من المزايا التي تؤهله ليكون أكثر حضورا وتألقا: لياقة بدنية عالية وقامة طويلة (1.90 متر)، مع قدرة على اللعب بالرجلين، في ظل تمركز جيد في مربع العمليات وقراءة جيدة للملعب، علاوة على شخصية قوية تمكنه من توجيه الدفاع. ويساعده في ذلك التكوين المتدرج الذي تلقاه في أكبر النوادي واحتكاكه بأسماء كبيرة في حراسة المرمى، سواء في صفوف الوداد المغربي، الذي شهد تألق الحارس الدولي بادو الزاكي، وبعده نادر المياغري، أو في صفوف الفرق الإسبانية التي جاورها، خصوصا أتلتيكو مدريد حيث جاور الحارس البلجيكي

كورتوا؛ إضافة إلى ذلك فإن سنه تسمح له بالاستمرار في الملاعب للمزيد من السنوات، الشيء الذي سيوفر له هامشا لمزيد من النضج واكتمال التجربة.

كما يحسب لبونو أن مميزاته لا تقتصر على حراسة المرمى فحسب، حيث يعرف بشخصيته الهادئة وحرصه على روح الفريق واحترام قرارات واختيارات مدربيه، سواء في الفرق التي لعب لها أو المنتخب المغربي الذي تعاقب عليه نحو خمسة مدربين، بداية من البلجيكي إيريك غيريتس، وصولا إلى الفرنسي هيرفي رينارد ثم البوسني وحيد خليلهودزيتش، مرورا بالمغربيين رشيد الطاوسي وبادو الزاكي، الشيء الذي أكسبه تعاطف وتقدير الجماهير والمسؤولين والمهتمين بكرة القدم في المغرب، وكذلك مسؤولي وجماهير مختلف الأندية التي جاورها في إسبانيا، ومن ذلك شهادة لأوزبيو سكريستان، مدربه في فريقه السابق جيرونا، يقول فيها “إنه لاعب يتميز بعقلية إيجابية للغاية، وحياته اليومية مثالية، ليس فقط كحارس مرمى رائع، بل هو رفيق عظيم، أيضا”.

وتحدث الدولي السابق ومساعد مدرب المنتخب المغربي حاليا مصطفى حجي، عن شعوره بعد تحقيق الثنائي ياسين بونو ويوسف النصيري للقب الدوري الأوروبي مؤخرا برفقة إشبيلية. وقال حجي إنه إنجاز رائع حمل له السرور وهو نفس الشعور الذي راود المدرب الوطني خليلهودزيتش. وأضاف “لقد أبلى ياسين بونو البلاء الحسن ووقع على موسم كبير بكل المقاييس وقد سررنا للأداء الباهر والراقي له في مباريات قوية أمام أندية عملاقة كان آخرها إنتر ميلان في النهائي”.

وتابع “شخصيا لم أتفاجأ لكل الذي قام به لأني واكبت طيلة الفترة التي قضيتها داخل المنتخب المغربي إصراره القوي ورغبته في النجاح وطموحه الجارف”. وزاد “بونو نافس أكبر حراس أوروبا ويحقّ للمنتخب أن يفخر بحارس مثله لأنه صار لدينا حارسين مميزين بالليغا ومثلهما بالدوري المغربي”. وأكمل “كما أن تتويج بونو هو استمرار لتألق العديد من المحترفين المغاربة بأوروبا مثل زميله يوسف النصيري وحكيم زياش وأشرف حكيمي وسفيان  لمرابط وغيرهم ممن وقعوا على إنجازات كبيرة بل وصفقات متميزة في زمن كورونا”. وختم “كل الذي حدث سيكون له انعكاس إيجابي بلا شك على المنتخب المغربي وسنجني ثماره مستقبلا”.

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى