الأخبار

الفساد في الكويت.. تقصير دولة أم عقلية شعبية

الكويت – تحوّل تفجّر قضايا فساد كبيرة بين الفينة والأخرى تتعلق بنهب مبالغ طائلة من أموال الدولة إلى ظاهرة في الكويت، وقد مثّل تورّط شيوخ من الأسرة الحاكمة ومسؤولين وازنين في البلد الخليجي النفطي، في تلك القضايا صفّارة إنذار بشأن تغلغل الفساد في مفاصل الدولة بشكل لم يعد معه السكوت عنه ممكنا.

وتثير قضايا الفساد حالة من القلق بما تشيعه من ارتباك في الحياة السياسية والاجتماعية الكويتية وما تخلّفه من أثر سيء على سمعة البلاد الطامحة إلى إدخال إصلاحات عميقة على اقتصادها تحدّ من تبعيته شبه الكاملة لموارد النفط، الأمر الذي استدعى تدخل رأس هرم السلطة أمير البلاد الشيخ صباح الأحمد الجابر الصباح للتنبيه إلى خطورة الظاهرة والدعوة إلى إنهائها.

وقد طلب الشيخ صباح الأحمد في الكثير من المناسبات، وكان آخرها في شهر يوليو الماضي، من الهيئة العامة لمكافحة الفساد الحزم في تطبيق القانون بالعدل والمساواة، لكن من المثير للاهتمام معرفة مدى نجاح هذا الكيان إذا كان يعمل بمعزل عن المجتمع.

ولم يكن تراجع ترتيب الكويت 7 مراكز في مؤشر مدركات الفساد الصادر عن منظمة الشفافية العالمية 2020 مفاجئا للبعض، ولكنه ترك علامات استفهام وتساؤلات عن أسباب هذا التراجع ومدى مصداقية المعايير التي يعتمد عليها مثل هذا التصنيف.

ويفسر خبراء تفاقم هذه المشكلة بسبب البحبوحة المالية الكبيرة، بعد أن تناقصت الموارد المتأتية من النفط، الذي تهاوت أسعاره بعد أن ظلّ لسنوات طويلة مصدر دخل ثري لخزينة الدولة.

غير أن ظهور ملفات ارتبط الكثير منها بشخصيات تعمل في الدولة أو بمشاهير الفن والإعلام والشبكات الاجتماعية دق ناقوس الخطر من تداعيات ذلك على الجيل القادم، فمعظم المتابعين يرون أن أكبر التحديات المستقبلية ليس محاربة الفاسدين بقدر ما هو اجتثاث ثقافة الفساد من جذورها. والسؤال المطروح في الساحة السياسية والاجتماعية الآن كيف ستتمكن أجهزة الدولة من التصدي لهذه الظاهرة؟

المصداقية في الميزان

ستخلف موجة الاعتقالات تأثيرات عميقة لدى الشباب على المدى المتوسط

يرى مركز الخليج العربي للدراسات والبحوث أن من المرجح أن تخلف موجة الاعتقالات لمجموعة من كبار الشخصيات الإدارية والمشاهير في الكويت بتهم فساد وغسيل أموال تأثيرات جوهرية وعميقة ومقلقة على جزء كبير من جيل الشباب الكويتي على المدى المتوسط.

وبينما لاقى اعتقال شخصيات مؤثرة ومعروفة في المجتمع الكويتي خاصة بعض مشاهير التواصل الاجتماعي على خلفية قضايا مرتبطة بتضخم حسابات بعضها البنكية وتربح غير شرعي مرتبط بشبهة غسيل أموال استحسانا شعبيا بمبرر تحسن مكافحة الدولة للفساد وعدالة تطبيق القانون على الجميع، لكن تأثيراته ستكون مفزعة.

ويقول محللو المركز إن اكتشاف عمليات فساد كانت بمثابة الصدمة المعنوية على جزء واسع من الشباب والمراهقين الكويتيين المتأثرين بهذه النخبة من المشاهير التي استعانت بها الدولة في وقت من الأوقات كنماذج ناجحة يحتذى بها بهدف التأثير الإيجابي على شريحة الشباب وقيادته إلى مسار النجاح والنهوض بدوره المستقبلي في المجتمع.

وأشار تحليل بحثي للمركز إلى أن النخب الكويتية، وخاصة مشاهير التواصل الاجتماعي، قد خسرت على الأرجح جزءا كبيرا من مصداقيتها في الكويت، وهو ما قد يؤثر على المدى القريب على نسبة متابعتها والتأثر الشعبي بها خاصة بين فئة الشباب.

ويحمل ارتباط الشخصيات المؤثرة الناجحة مجتمعيا بشبهات الفساد ارتدادات مستقبلية سلبية قد يتضح مداها خلال السنوات المقبلة، ما يستوجب النظر في إعادة تحديث أسلوب الترويج لمعايير النجاح الوظيفي والمجتمعي.

ويدفع هذا المنعطف غير المسبوق في مكافحة الفساد والشخصيات المشتبه بفسادها، خاصة المشاهير، إلى زيادة الحاجة إلى تعزيز ترويج نماذج لمؤثرين جدد يعكسون ثقافة النزاهة والشفافية، خاصة في ما يتعلق بمسار تكوين الثروات على مستوى الوظيفة أو المشاريع الخاصة حتى يقتدي بهم الجيل المستقبلي من الشباب.

وهذا الأمر يستوجب بالضرورة أيضا تعزيز ثقافة المحاسبة والرقابة الذاتية في المدارس والجامعات وعلى منصات التواصل الاجتماعي، لكن هذا المسار قد يتطلب سنوات طويلة لاسترجاع الشباب الثقة في النخب الجديدة. حيث أن محاسبة الفاسدين قد لا تكفي لاجتثاث ثقافة استسهال الفساد والتكتم عليه.

وتبرز تحديات كبرى على مستوى اهتزاز الثقة بالنخب الكويتية المعروفة وتشوه ثقافة النجاح الوظيفي في الكويت التي قد يعتبرها البعض أنها مقترنة بالفساد، وهو ما يستوجب بشكل عاجل تدخل المجتمع المدني لاستعادة ثقة الشباب في نخبه المؤثرة والترويج لمؤثرين ملهمين وبعيدين عن شبهات الفساد.

وفضلا عن ذلك، ظهرت الحاجة إلى استراتيجية إعلامية محلية بمعايير جديدة للتأثير الإيجابي في الشباب وتمكينه والنهوض بدوره المجتمعي والاقتصادي والسياسي واسترجاع ثقته في الدولة والنخب.

جدار الصد الأول

لم يكن تراجع ترتيب الكويت 7 مراكز في مؤشر مدركات الفساد 2020 مفاجئا، ولكنه ترك علامات استفهام محيرة

كان القضاء الكويتي قد فتح قبل أسابيع ملف قضية ما يعرف إعلاميا بـ”الصندوق الماليزي” المتهم فيها نجل رئيس الوزراء الكويتي السابق الشيخ جابر المبارك الصباح، وشريكه رجل الأعمال حمد الوزان، فيما لم تنته التحقيقات من قضية أخرى تتعلّق بتجارة الإقامات وتشترك مع هذه القضية في أن شيخا آخر، متهم فيها هو الشيخ مازن الجراح الصباح الوكيل بوزارة الداخلية.

وتنطوي هذه القضايا على قدر كبير من الحرج للسلطات في فترة بالغة الحساسية تتميّز بأزمة مالية ناتجة عن تراجع أسعار النفط وجائحة كورونا، ما يدفع بمعضلة الفساد مجدّدا إلى واجهة الأحداث ويزج بها في قلب الصراع السياسي الذي لا يهدأ والذي يبحث الخائضون فيه باستمرار عن فرص للانقضاض على خصومهم والإيقاع بهم.

ولذلك برزت أولوية استعادة الثقة الشعبية في النخب السياسية والإدارية والإعلامية والاجتماعية، حيث بات عنوان المرحلة المقبلة “تعزيز أولوية اجتثاث ثقافة استسهال الفساد والتستر عليه وترسيخه في الوعي الفردي والمجتمعي”.

وفي ضوء ذلك، يعتقد المتابعون أن الحاجة الملحة تكمن اليوم في كيفية تقديم منوال جديد للنجاح قائم على العمل والمثابرة والابتكار، وهو ما يدعو إلى تغيير في قيم العمل وشروط التوظيف والرقابة على الأداء.

وفي هذا الصدد قد يبدو مجلس الأمة الكويتي بحاجة في المرحلة المقبلة إلى القيام بإصلاح تشريعي عاجل لمنظومة الإدارة والعمل والترقيات، فضلا عن استحداث آليات جدية لتعزيز الرقابة على صندوق المشروعات الصغيرة والمتوسطة والنهوض أكثر بمشروعات الشباب وتأهيلها ومراقبتها وتعزيز النسبة المبتكرة منها.

ولكن فشل بعض المشاريع على غرار المنصات الإلكترونية في الكويت وارتباط بعضها أخيرا بالفساد وغسيل الأموال، قد يؤثر سلبا على زيادة التقدم بأفكار مشاريع جديدة وهو ما يتطلب زيادة الدعم والتأهيل الفوري قبل تسجيل تراجع كبير في الإقبال على المشاريع الصغرى والمتوسطة.

ويمثل انعدام الثقة في النخبة المؤثرة أمرا بالغ الخطورة ولديه ارتدادات سلبية قد تجعل جزءا واسعا من الشباب لا يثق بنخبه السياسية أو الاجتماعية والإعلامية. واسترجاع مثل هذه الثقة قد يتطلب تغييرا جذريا خاصة على مستوى عمل الإدارة والرقابة والمحاسبة.

وبدل استسهال مصدر الدخل بات على المجتمع المدني قبل الدولة الترويج لمنوال سليم لثقافة العمل والنجاح المجتمعي بحيث لا تعتمد على الوظيفة أو الاقتراض بل على الابتكار والتنافس من أجل صنع الثروات الفردية.

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى