أخبارعالمية

الصين تقلّب خياراتها في الخليج: مع السعودية أم مع إيران

بكين – نفى متحدث باسم وزارة الخارجية الصينية الثلاثاء علمه بقرب زيارة الرئيس شي جين بينغ المزمعة إلى السعودية، بالرغم من أن تقارير مختلفة كانت قد تحدثت عن ذلك، في تصريح قال مراقبون سياسيون إنه يظهر أن بكين مازالت تقلّب خياراتها قبل الدخول في منطقة الخليج؛ فهل تستدعي مصالحها أن تكون في صف السعودية أم في صف إيران، أم أنها ستحافظ على حالة التوازن الهش القائمة حاليا؟

ويشير المراقبون السياسيون إلى أن الصين، التي تسعى لبناء علاقات خارجية براغماتية تحرص من خلالها على جلب منافع اقتصادية دون أي التزامات سياسية، تجد نفسها في معادلة صعبة بالنسبة إلى الخليج، خاصة من جانب السعودية التي أصبحت تراهن على ربط علاقاتها الاقتصادية واستثماراتها الكبرى بمواقف سياسية داعمة لها ولأمنها القومي ودورها الإقليمي المتزايد.

ويعتقد هؤلاء المراقبون أن زيارة الرئيس الصيني إلى السعودية، وما سيحف بها من اهتمام سياسي وإعلامي دولي، ستُظهِر بكين منحازة إلى الرياض على حساب علاقاتها الدافئة مع طهران، وهي علاقات لا تقف عند كون إيران خصما للولايات المتحدة؛ فهي تتدعم بمرور الوقت، خاصة في ظل حاجة الصين إلى نفط إيران فضلا عن كونها نقطة ارتكاز رئيسية في مشروع طريق الحرير الصيني “الحزام والطريق”.

 

جيمس دورسي: زيارة شي إلى السعودية تقلق إيران أكثر من الولايات المتحدة
جيمس دورسي: زيارة شي إلى السعودية تقلق إيران أكثر من الولايات المتحدة

 

وتريد الصين أن تحافظ على التوازن القائم حاليا، فعلاقتها مع السعودية ودول الخليج ككل متينة وتتطور باستمرار من خلال زيادة حجم الاتفاقيات والاستثمارات وتعميق الوجود الصيني في الاقتصاديات الخليجية. لكن المعادلة باتت أكثر تعقيدا بسبب تمسك الرياض بالمقابل السياسي والأمني لاستثماراتها وصفقاتها الكبرى مع بكين ورغبتها في عدم تكرار الخطأ التاريخي الذي تأسست عليه علاقتها مع واشنطن.

وكانت صحيفة وول ستريت جورنال الأميركية ذكرت الاثنين، نقلا عن مصادر مطلعة على الاستعدادات للرحلة، أن شي يخطط للقيام بزيارة إلى المملكة قبل نهاية العام الجاري.

ويُنظر إلى زيارة الرئيس الصيني إلى الرياض على أنها رسالة مبطّنة تُظهر أن الصين صارت أقرب إلى السعودية منها إلى إيران.

واعتبر الخبير في شؤون الشرق الأوسط جيمس دورسي أن زيارة الرئيس الصيني إلى السعودية تقلق إيران أكثر من الولايات المتحدة، خاصة أن الإيرانيين أكثر احتياجا إلى هذه الزيارة لتكون بمثابة رسالة دعم معنوي في مواجهة الاحتجاجات الواسعة التي تعيشها البلاد ويعمل الغرب على توظيفها في الضغط عليهم.

ويرى دورسي أن قفز الرئيس الصيني على زيارة إيران بسبب الاحتجاجات المستمرة المناهضة للحكومة قد يشوه حقيقة الجهود الصينية المستمرة لتحقيق توازن في علاقاتها الإقليمية.

ومن المهم ذكر أن العقوبات الأميركية والأوروبية المفروضة على روسيا بسبب غزوها أوكرانيا عززت أهمية إيران؛ ذلك أن الصين وآسيا الوسطى ودول القوقاز ضاعفت الجهود المبذولة لإنشاء ممر نقل نحو أوروبا يلتف على الأراضي الروسية.

وتفيد عدة تقارير بأن بكين ستوظف استثمارات بقيمة 400 مليار دولار في إيران تشمل عدة مجالات، من بينها تطوير منظومة إنتاج النفط والغاز في إيران إضافة إلى القطاع البتروكيميائي، ناهيك عن البنية التحتية في قطاعي النقل والصناعة وأيضا ربط إيران بشبكة نقل طريق الحرير الجديدة.

يُنظر إلى زيارة الرئيس الصيني إلى الرياض على أنها رسالة مبطّنة تُظهر أن الصين صارت أقرب إلى السعودية منها إلى إيران

واكتسب التوقيت المحتمل لزيارة الرئيس الصيني أهمية إضافية بعد أن شاركت السعودية المعلومات الاستخباراتية مع الولايات المتحدة التي حذرت من هجوم إيراني وشيك على أهداف في المملكة وشمال العراق الذي تقطنه أغلبية كردية.

ومبعث القلق الأساسي هو أن طهران يمكن أن تهاجم المملكة العربية السعودية جزئيا على أساس أن إيران تعتقد أن الصدع الأميركي – السعودي يعني أن الولايات المتحدة قد لا تكون على استعداد للدفاع عن المملكة.

وتأتي التوترات الإقليمية بالنسبة إلى إيران والسعودية لتمنح الصين -التي تحاول إلى حدّ الآن البقاء بمنأى عن صراعات الشرق الأوسط- فرصة أن تكون في الواجهة.

ومن المؤكد أن الرئيس الصيني يريد استغلال الخلاف الأخير في العلاقات الأميركية – السعودية، ومشكلته هي أن هذا الخلاف يسلط الضوء على حقل الألغام الذي يتعين على الزعيم الصيني السير فيه؛ فإما مع السعودية أو مع إيران. لكن لا مجال للحياد السياسي والاستمرار في تجميع المكاسب الاقتصادية الواسعة.

ويعتقد محللون أن شي جين بينغ في حال زار السعودية واستثنى إيران، التي هي في أمس الحاجة إلى دعم صيني واضح، سيكون بذلك مخاطرا بأن يصبح آخر زعيم ينساق خلف صراعات الشرق الأوسط بغض النظر عما إذا كان يريد المشاركة أو يرفضها.

وكانت السعودية قد أعلنت أنها ستحتفي بالرئيس الصيني وترتب ثلاث قمم، واحدة صينية – سعودية والثانية صينية – خليجية والثالثة عربية – صينية، تماما مثلما احتفت بالرئيس الأميركي جو بايدن خلال زيارته الأخيرة إلى المنطقة، في رسالة واضحة تفيد بأن المملكة ستحتفي بمن يقدّر دورها ويتعامل معها كشريك إستراتيجي وليس من يلجأ إلى الحملات للضغط عليها.

Thumbnail

وأعلن وزير الخارجية السعودي الأمير فيصل بن فرحان في نهاية الشهر الماضي أنه من المتوقع أن يقوم الرئيس الصيني بزيارة إلى الرياض، وأن بلاده “تعمل على إنهاء كافة الترتيبات لها من أجل نجاحها وتحقيق التطلعات المرجوة منها”.

وفي أبريل الماضي وصف ولي العهد السعودي الأمير محمد بن سلمان الصين بأنها شريك إستراتيجي شامل ومهم بالنسبة إلى المملكة، وأن السعودية “تولي أهمية كبيرة لوضع الصين وتطوير علاقاتها معها، وملتزمة بشدة بمبدأ صين واحدة”، في خطوة تظهر دعما سعوديا رمزيا لبكين في خلافها مع واشنطن بشأن تايوان.

وأضاف أن المملكة مستعدة للعمل مع الصين لتعزيز التبادلات رفيعة المستوى، وتوقيع اتفاقيات لتضافر رؤية السعودية 2030 مع مبادرة الحزام والطريق، وتعميق التعاون في مختلف المجالات، من بينها الاقتصاد والتجارة والنقل والبنية الأساسية والطاقة.

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى