مقالات

الخروج من نمط الصراع القديم

الخروج من نمط الصراع القديم

ذكر الاستاذ حسن الدولة قبل ايام حكاية طريفة مفادها “ان علي عبدالله صالح اراد اثارة حفيظة احد المنتسبين الهاشميين وهو عبدالقادر بن محمد تجاه الدكتور عبدالكريم الارياني بسؤاله عن سبب الخلاف بين الهاشميين وبيت الإرياني ؟ وبحسب ما رواه الدولة في منشور بصفحته على الفيس بوك ان عبدالقادر بن محمد رد بالقول انه لا يوجد خلاف اصلا وان كل ما كان بيننا وبينهم هو مسبلي القبيلي من يهزره من يد القبيلي ويأكل جهده اولا ، واضاف بقوله اما اليوم فقد اصبح المسبلي في يد القبيلي وصار هو الحامي لحقه المسبلي والحاكم لنفسه وقد كان القاضي فيما مضى رقعه للسيد إذا إشتط – أي إذا نقص عليه شرطا من شروط الامامة – وقد اصبح السيد والقاضي اليوم – مشيرا بأصبعه إلى كل من العميد يحي المتوكل والدكتور الارياني – رقع للقيبلي “.. باختصار تختزل هذه الواقعة تاريخ الصراع الطويل على السلطة في اليمن واطرافها الرئيسية وتحالفاتها المرحلية ونظرتها تجاه بعضها البعض منذ وصول الامام الهادي الى اليمن وادواتها التي كرست بشكل تراكمي خاصة من قبل الائمة الذين عملوا على بناء طموحهم السياسي عبر نظرية حقهم الالهي في الحكم وتميزهم العرقي وجعلهم للطائفية السياسية والشحن القبلي اهم ادواتهم في مواجهة خصومهم بمن فيهم اخوانهم او ابناء عمومتهم.
وكما تشير الوقائع التاريخية لهذا النوع من الصراع المتواصل والذي يتجاوز الالف عام ونيف من عمره فقد كان للطرف المنتصر في كل دورة منه ان ينزل بخصمه الويلات بالقتل والتهجير وتدمير المنازل ومصادرة الاموال وغير ذلك من اساليب الاحتقار الاجتماعي والامتهان والعزل التي كانت تصل في بعض صورها الى الاعراض والانساب وبما يخالف قيم وعادات اليمنيين واعرافهم القبلية والدينية.
وهكذا ظلت هذه الاطراف تعيش دوامة الصراع وتتبادل فيه النصر والهزيمة وتلتزم انتهاج نفس الممارسة دون تعقل او توقف حتى غدى الخروج من هذا النمط من التصارع معضلة اليمن واليمنيين ولم يلمس اي من مظاهر تجاوز ذلك الحال او الحد منه الا بعد ثورة سبتمبر والتي انطلقت كحراك اجتماعي منتفض في مواجهة كل مظاهر التمييز الاجتماعي و اشكال الظلم وكان روادها من مختلف المكونات الاجتماعية ولعل هذا بحد ذاته قد مثل فرصة ولو بشكل نسبي لدفع اليمنيين تدريجيا صوب الدولة والخروج من حالة الاختلال الاجتماعي وبقدر لا بأس به مقارنة بما كان سائد من قبل لكن هذا الانتقال لم يلقى اهتماما مدروسا من قبل الدولة ولا مكونات العمل الوطني بحيث يستمر ليشمل كامل مناطق اليمن وبما يؤدي لتحولها اجتماعيا وفقا للهوية السياسية للدولة الجديدة حيث بقيت العديد من المناطق خاصة في شمال الشمال خارج سيطرة سلطة النظام الجمهوري الجديد وهو ما مكن العديد من الاسر التقليدية القبلية وغيرها من المنتسبين للهاشمية من استغلال هذا الوضع لاستعادة وجاهتها الدينية او القبلية ونفوذها بواسطة ذلك على حساب الدولة .
كما كان للتجاوزات التي ارتكبت عقب الثورة والتي مثلت بحق انحرافا حقيقيا عن اهدافها ان تشكل اعاقة حقيقية لمهمة التغيير و تحقق الانتقال من مرحلة ما قبل الثورة والتي ادخلت البلاد في محنة الصراع على السلطة من جديد فقامت الانقلابات وانقسم المتصادمون خلالها مناطقيا لترتكز مقاليد السلطة فيما بعد بيد وجاهات معينة من قبيلة بذاتها والتي تمكنت اكثر من تقاسم مراكز السلطة فيما بينها مع بداية وصول علي عبدالله صالح الى سدة الحكم في شمال اليمن و قد استطاع صالح التعايش مع قوى النفوذ المختلفة التي شاركته سلطته وتساير معها الى ان تمكن من مقاليد الامور مستغلا فرص التحولات التي شهدتها اليمن واستثمارها للوصول لتحقيق طموحه بتسخير كل امكانات الدولة وادواتها لتثبيت حكمه الفردي وهو ما كان والتهيئة لتوريثه لنجله من بعده . وفي مقابل ذلك ظلت بعض الاسر تختزن احقاد ارث الصراع القديم على السلطة وتعد العدة بالتعبئة والتحشيد وكسب الانصار تحت شعارات الاحقية الالهية واستعادة ما تعتبره بالحق المسلوب ومقاومة المظلومية .
حتى سنحت لبعضها الفرصة من خلال الانقلاب المنفذ من قبل تحالف مليشيات علي عبدالله صالح وعبد الملك الحوثي وسرعان ما تكشفت خلاله حقيقة الحركة الحوثية التي تصدرت الانقلاب ومشروعها في الحكم القائم على اسس السلالة والعرق والطائفية وولاية الفقيه او ما يسمونه ( بالإمام القائد ) ليتضح معها مدى الارتباط الوثيق للحوثية بالثورة الخمينية وتبعيتها للحرس الثوري الايراني ودوره في تدريب الحوثيين وادارة حركتهم وتوجيهها وبلغ ذلك مداه بإعلان ايران الرسمي لسقوط صنعاء كرابع عاصمة عربية في يدها .
وهو الامر الذي كان له التأثير الكبير في رفع وتيرة الحرب والتي لم يعد دور المقاومة فيها منحصرا على مواجهة الانقلاب بل تعداه الى مناهضة مشروع ايران التوسعي في اليمن وتكلل ذلك بتدخل التحالف الداعم للشرعية المنقلب عليها وكان لمشاركته العسكرية ان تحظى بقبول كافة القوى الوطنية المؤيدة لشرعية رئيس الجمهورية .
وعود على بدء فمع توسع اشكال المقاومة للانقلاب برزت من جديد معالم الانقسام الاجتماعي في اليمن بطابعه القديم حيث عمد العديد من رموز الانقلاب الى احياء مظاهره وفقا للأسس العرقية و المناطقية وتمادى البعض منهم الى ما هو ابعد بتكريس الطائفية بأبعادها المذهبية بمسمياتها السنية والشيعية ومثل هذا سببا في ظهور حراك مضاد من نفس النمط فإضافة الى الموقف العقائدي لبعض القوى الدينية المنضوية في صفوف الشرعية ظهر من يحيي دور مواجه للتمدد الحوثي المدعوم والمدار ايرانيا من منطلقات اليمننة و الاصل الحميري وغير ذلك من المسميات واعتبار سيطرة الحوثيين واستئثارهم بالسلطة احتلالا اجنبيا وتمددا طائفيا دخيلا على اليمن والاقليم .
ومما يؤسف له ان هذا النوع من الصراع بجوانبه القديمة والجديدة بات يتجسد بشكل يومي وتنعكس الكثير من اشكاله وصوره في مضامين سياسة العديد من القوى والشخصيات خطابا وممارسة و بالذات منها جماعات التشدد الديني والتي تعد جماعة الحوثي اكبرها ثقلا بحكم الانقلاب وكيف لا يكون منها غير ذلك وهي من وجدت فيه وسيلتها المناسبة للزج بالعديد من الاسر المنتسبة للهاشمية من مختلف البلاد بمدعى الاستجابة لدعوة خروج الامام والزج بأكبر عدد من ابنائها للاشتراك في خوض معترك خاسر حتما من اجل مشروع رجعي في شكله ومضمونه خارج عن الواقع ومتناف مع متطلبات العصر و مقتضياته.
وعلى الرغم مما يقدمه مناهضو الامامة من مبررات مقنعة في بعض اوجهها تجاه مجابهة انصار القداسة والسلالة الا انهم بانتهاج نفس المنطلق القائم على العرق والهوية يتقاطعون من حيث يشعرون ولا يشعرون مع جماعة الحوثي في اذكاء نعرات الصراع القديم وتكريس الانقسام الطائفي والعرقي ليقع الجميع في مغبة الغفلة تجاه تبعات ذلك ونتائجه على التعايش و الاستقرار واثاره على حساب القضية الوطنية ومشروع الدولة المدنية التي ينشدها كامل اليمنين وتماسكهم اجتماعيا وهنا تكمن المصيبة التي تتهدد مستقبل الوطن بكامله والتي لا يمكن تفاديها على الاطلاق مالم يكف اليمنيون عن وجهة الصراع القديم والخروج من بين ثناياه فلن يكون بالمقدور وقف نزف الدم اليمني وفرض اي حلول لاستعادة الدولة الجامعة مالم تتوقف كافة الاطراف عن تأجيج الفتن المتواترة والنأي عنها.
وهنا تتجلى اهمية الدعوة مجددا لقادة الدولة في الرئاسة والحكومة والسلطة المحلية و المكونات الوطنية وبالأخص منها الاحزاب السياسية والنقابات الجماهيرية ومنظمات المجتمع المدني ومن تبقى من رموز ومناضلي الحركة الوطنية و النشطاء من اجل استنهاض دورهم سياسيا واجتماعيا لتدارك هذا الحال والحفاظ على مكتسبات ثورتي سبتمبر واكتوبر وما تخلق عنها من قيم المساواة ونظم العدالة وما تحقق خلالها من توازن اجتماعي وترابط وطني والحيلولة دون تمزق البلاد والاسهام بفعالية في عقلنة المطالب وتحويل اتجاهات التوتر والصراع بعيدا عن وجهات المنازعة الطائفية والمناطقية واعادتها الى طابعها السياسي و المدني والقانوني وتشكيل اطار يعني بالحماية الاجتماعية، والتشارك مع الحكومة لإعداد خطة تنفيذية من اجل البناء والاعمار ومعالجة اثار الحرب يراعى فيها منح اولوية للمناطق الأكثر تضررا والفئات الاشد فقراً وتخلف على طريق النهوض والوصول للتناسب في النمو الاقتصادي والسياسي والتوازن على المستوى الوطني والغاء المليشيات وتمكين الأصوات الدينية المعتدلة ودعمها وتجريد اصحاب الدعوات المناطقية والعرقية والطائفية من كافة اوجه الغطاء السياسي وحرمانهم من امكانيات الحضور داخل بنى الدولة المؤسسية والاحزاب وتعزيز التواصل مع رعاة اليمن وحلفائها لايجاد قنوات عمل مشتركة من اجل ضمان عدم دعم الشخصيات والجماعات المتطرفة بالمال و السلاح .
ومما ينبغي قوله لجمهور الشباب اليمني ذكورا واناثا وبالذات منهم النشطاء وشباب الاحزاب وابطال وجماهير ثورة فبراير الشبابية الشعبية السلمية المجيدة وهي دعوة ومناشدة باننا بأمس الحاجة لتجاوز السياج المرسوم علينا بالبقاء عند مهمة اجترار الصراع على السلطة عند حدود التنافس القديم بين الشيخ والسيد وعدم تكريس مفاهيمه بناء على ذلك والخروج من انساق جماعات السيطرة وعلاقاتها القديمة والنضال بمواكبة اللحظة لفرض التغيير والتحول والخروج من سطوة قوى النفوذ التقليدية وهيمنتها في توجيه القاعدة الاجتماعية واستغلالها لتنفيذ اجندتها في الانقضاض على الثروة والسلطة والتصدي لمشاريع السلالية والعرقية والطائفية ومقارعة دعاتها أيا كانوا وأيا كانت المبررات والعمل في اطار مختلف المكونات ومعها لفتح افاق مدروسة من اجل تجاوز نمط الصراع على السلطة من منطلقات احقية السلالة والعرق والنفوذ القبلي او الديني.

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى