الأخبار

الحريري “المنقذ” يعتذر عن تشكيل الحكومة

بيروت – اعتذر سعد الحريري عن تشكيل الحكومة اللبنانية بعد أن قدم كـ”منقذ” للبنان على الرغم من أنه استقال في أكتوبر من عام 2019 على خلفية انتفاضة شعبية حمّلته وحكومته مسؤولية تدهور الوضع في البلاد.

ولم يكن قرار الاعتذار مفاجئا بسبب تمسك مختلف الفرقاء بشروطهم بالرغم من الضغوط الخارجية المتعددة، وتلويح أوروبا بفرض عقوبات مباشرة على السياسيين المعرقلين لتشكيل الحكومة.

وقالت أوساط لبنانية متابعة إنّ اعتذار الحريري أنهى ما يمكن وصفه بتسعة أشهر من الخديعة التي تشترك فيها الطبقة السياسية كلها في نقطة الحفاظ على الوضع الحالي دون أيّ تغييرات، وإنّ تمسك كل طرف بشروطه لم يكن الهدف منه إدانة الآخرين بقدر ما كان الوصول إلى نتيجة واحدة هي استحالة الحل، وما يعنيه ذلك من ترك اللعبة بأيدي اللاعبين الحاليين.

ولاحظت أن تحالف السياسيين في إبقاء الوضع كما هو عليه يبدو أكثر وضوحا في التعامل مع طلبات القضاء بشأن تفجير مرفأ بيروت، وكيف لزم الجميع الصمت.

وحتى الآن لم يوافق البرلمان ووزارة الداخلية والجيش على طلبات للمحقق العدلي في القضية برفع الحصانة عن ثلاثة نواب (وزراء سابقين)، والتحقيق أيضا مع قيادات أمنية وعسكرية.

وأضافت الأوساط ذاتها أن تفجير بيروت عمّق أزمة موجودة أصلا، وأن حزب الله استغل سنوات حكم الحريري للإمعان في بسط نفوذه، وهذا يعني أن الحريري، الذي يقدم نفسه كمعارض للعهد، هو نفسه كان يتحرك لتأبيد الوضع الذي يحافظ فيه الحزب المرتبط بإيران على وضعه كفاعل رئيسي يتحرك الجميع لتنفيذ أجندته.

وبدأت حرب اللوم واللوم المضاد بين الحريري والرئيس ميشال عون، وكلاهما يريد أن يبرئ نفسه من التعطيل وإظهار الطرف الآخر غير مستعد للتعاون.

وقال الحريري إن “موقف الرئيس عون لم يتغير والتعديلات التي طلبها جوهرية وتطال تسمية الوزراء المسيحيين”. لكن عون اتهم الحريري بأنه غير مستعد لبحث أيّ تعديل على التشكيلة الحكومية المقترحة.

Thumbnail

وذكر بيان للرئاسة أن الحريري اقترح على عون يوما واحدا إضافيا لقبول التشكيلة المقترحة لكن الرئيس قال “ما الفائدة من يوم إضافي إذا كان باب البحث مقفلا”.

ويتعين على عون أن يحدد في الأيام المقبلة موعداً جديداً لاستشارات نيابية ملزمة من أجل تكليف شخصية جديدة لتأليف الحكومة، في مهمة لن تكون سهلة على الإطلاق ومن شأنها أن تزيد الانقسام بين القوى السياسية المتناحرة أساساً.

لكن الفرنسيين، وعلى لسان وزير الخارجية جان إيف لودريان، يلومون الجميع ويجهّزون للعقوبات. واعتبر لودريان أن اعتذار الحريري يشكل “فصلا مأساويا إضافيا في عجز المسؤولين اللبنانيين عن إيجاد حل للأزمة (…) في ظل الواقع الاقتصادي والاجتماعي” في البلاد.

وقال لودريان الموجود في الأمم المتحدة “إن هذا التدمير الذاتي المستمر شهد للتو فصلا جديدا ولكن لا يزال الوقت متاحا للنهوض مجددا. هذا الأمر يضع المسؤولين السياسيين اللبنانيين أمام مسؤولياتهم”.

ويضع السياسيون اللبنانيون بمن فيهم الحريري “أيديهم على قلوبهم” من القائمة الفرنسية – الأوروبية للعقوبات ومنع سفرهم المتوعّدين بها بسبب فشلهم في حل معضلة الحكومة.

ويعتقد مراقبون لبنانيون أن المبررات التي قدمها الحريري للاعتذار لن تعفيه من المسؤولية السياسية والأخلاقية عن الأزمة، والأمر نفسه بالنسبة إلى عون، مشيرين إلى أن فرنسا والولايات المتحدة ودولا غربية أخرى لن تراعي هذه التفاصيل في حال قررت البدء بتنفيذ عقوباتها المتوقعة نهاية الشهر.

وأشار هؤلاء المراقبون إلى أن ما يعني فرنسا وحلفاءها هو المشهد ككل، وأن الطبقة السياسية ترفض التغيير والإصلاح، وأنّ لا حل سوى الضغط على السياسيين بالعقوبات لدفعهم إلى مغادرة مواقعهم والانفتاح على المبادرات المطروحة دوليا.

وفيما يواجه لبنان انهيارًا اقتصاديًا، رجّح البنك الدولي أن يكون من بين ثلاث أشدّ أزمات في العالم منذ عام 1850، لم تتمكن القوى السياسية المتناحرة من تشكيل حكومة منذ 11 شهراً.

وأمضى الحريري وعون الأشهر الماضية في تبادل الاتهامات بالتعطيل جراء الخلاف على الحصص وتسمية الوزراء. ويتهم الحريري عون وفريقه السياسي بالتمسك بالحصول على أكثرية تضمن له حق النقض في القرارات الحكومية، بينما يقول فريق عون إنه يريد فقط أن تعكس الحكومة الحجم الحقيقي للقوى السياسية ويريد أن يحتفظ بتسمية الوزراء المسيحيين.

والحريري هو ثاني شخصية تعتذر عن عدم تشكيل حكومة، بعد اعتذار مماثل قدّمه السفير مصطفى أديب الذي كلفه عون بتأليف الحكومة إثر استقالة حكومة تصريف الأعمال الحالية، بعد أيام من انفجار المرفأ.

ولم تنجح الضغوط الدولية التي مارستها فرنسا، خصوصاً منذ الانفجار، على الطبقة السياسية في تسريع عملية التأليف رغم أن المجتمع الدولي اشترط تشكيل حكومة من اختصاصيين تقبل على إصلاحات جذرية مقابل تقديم الدعم المالي.

Thumbnail

ومن شأن الفراغ السياسي أن يعمّق معاناة اللبنانيين أكثر فأكثر على وقع الانهيار الاقتصادي المتسارع الذي يترافق مع تدهور جنوني لقيمة الليرة وأزمة وقود ودواء وساعات تقنين في الكهرباء تصل إلى 22 ساعة. وترفع القطاعات تدريجياً صوتها مطالبة بدعمها لتقوى على تقديم الخدمات.

ومنذ انفجار المرفأ الذي فاقم الانهيار الاقتصادي يقدّم المجتمع الدولي مساعدات إنسانية مباشرة إلى اللبنانيين عبر منظمات المجتمع المدني ومن دون المرور بمؤسسات الدولة. وتعتزم فرنسا والأمم المتحدة تنظيم مؤتمر دعم إنساني في الرابع من الشهر المقبل هو الثالث منذ الانفجار.

وتبدو الأزمة الراهنة مرشحة للتفاقم مع اقتراب الذكرى السنوية الأولى لانفجار المرفأ. وينفذ أهالي الضحايا منذ أيام تحرّكات شعبية غاضبة مطالبين البرلمان برفع الحصانة عن ثلاثة نواب شغلوا مناصب وزارية سابقاً، والجهات المعنية بمنح الإذن لملاحقة قادة أمنيين طلب المحقق العدلي استجوابهم في قضية المرفأ.

ولم يصل القضاء بعد إلى أيّ نتيجة حول من يتحمّل مسؤولية حدوث الانفجار، علما أن هناك مؤشرات واضحة تدلّ على أن الإهمال لعب دوراً كبيرا في انفجار مواد خطرة مخزنة عشوائياً.

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى