الأخبار

الانتخابات المبكرة مخرج لأزمات تونس مكبّل بعوائق سياسية ودستورية

تشكّل الانتخابات المبكرة طوق نجاة بالنسبة إلى طيف واسع من التونسيين للخروج من الأزمة السياسية الخانقة التي أحدثت حالة شلل لمؤسسات الدولة وألقت بظلالها على الأوضاع الاقتصادية والاجتماعية، لكن المناورات السياسية التي تلجأ إليها الأحزاب الحاكمة والعوائق الدستورية تجعل هذا السيناريو مستبعدا، وبرأي الخبراء والمتابعين فإنه دون تعديل القانون الانتخابي سيكون من الصعب إحداث التغيير المنشود وإفراز منظومة حكم جديدة في حال تحول هذا الخيار إلى واقع.

تونس – تُجمع أوساط سياسية تونسية أن خيار الانتخابات المبكرة من شأنه أن يضع حدا لأزمات البلاد، فيما تعيق المناورات السياسية والمطبات الدستورية الالتجاء إلى الشعب وصناديق الاقتراع على رغم ما تمر به البلاد من ظروف استثنائية، ما يجعل طريق التغيير صعبا خاصة مع غض الأحزاب الحاكمة النظر عن تعديل القانون الانتخابي الذي يبقي نفوذها في المشهد.

وأكد القيادي بالاتحاد العام التونسي للشغل سامي الطاهري في تصريحات لوسائل إعلام محلية الاثنين أنه يجب وضع حدا لأزمات البلاد المتفاقمة والتي في تقديره ستتفاقم أكثر في الأيام القادمة، وبرأيه يجب الرجوع إلى الشعب الذي يخول له الدستور الانتخابات المبكرة.

وفي تقدير الطاهري “يخول الدستور العودة إلى الشعب لانتخابات مبكرة ووضع نهاية للأزمة السياسية التي دمرت البلاد اقتصاديا وصحيا واجتماعيا”.

وسبق أن أعلن اتحاد الشغل المنظمة النقابية الوازنة في البلاد عن تأييده لإجراء انتخابات برلمانية مبكرة في حال وقع إجهاض مبادرته المتعلقة بإجراء حوار وطني يضع حدا للأزمة السياسية المتفاقمة.

ويلعب الاتحاد دور مؤثرا في المشهد التونسي ويحظى بتأييد شعبي واسع ما يسمح له بممارسة ضغوطه على النخب الحاكمة التي خيّرها بين إنجاح الحوار أو الذهاب إلى انتخابات مبكرة لحسم المعارك السياسية.

خالد شوكات: بالقانون الانتخابي الحالي سنجد نفس الخارطة البرلمانية المشتتة
خالد شوكات: بالقانون الانتخابي الحالي سنجد نفس الخارطة البرلمانية المشتتة

ويأتي توقيت الدعوة إلى الانتخابات المبكرة في ظل معركة ليّ الذراع المستمرة بين الرئاسة والحكومة على خلفية أزمة اليمين الدستورية ورفض الرئيس قيس سعيّد تعديلا وزاريّا اقترحه رئيس الحكومة هشام المشيشي امتثالا للترويكا الحاكمة ومرره البرلمان في يناير الماضي، فيما ترزح البلاد تحت وطأة أزمة صحية واقتصادية غير مسبوقة.

وتعقدت العلاقة بين المشيشي وسعيّد على مدى أشهر بسبب نزاعات دستورية حول الصلاحيات وتأويل فصول الدستور في ظل غياب محكمة دستورية تأخر وضعها منذ 2015، ما أدى إلى شلل في مؤسسات الحكم.

وبرأي متابعين تشكل الانتخابات المبكرة طوق نجاة لأزمة تونس السياسية التي تزداد تعقيدا في ظل نظام سياسي وانتخابي يغذي الأزمة بدل حلحلتها.

وفي المقابل يلفت هؤلاء إلى أن المناورات السياسية والمطبات الدستورية تجعل هذا الخيار مستعبدا حيث ليس من مصلحة أي طرف تغيير قواعد اللعبة، فهم لن يتساهلوا في ذلك وستتعمد الطبقة الحاكمة صرف الأنظار عن تعديل القانون الانتخابي أو الذهاب إلى استفتاء بهدف تعديل النظام السياسي.

والنظام السياسي الراهن أقره دستور 2014 أعقاب ثورة يناير 2011، وهو شبه برلماني، وتغييره ليس محل توافق بين مكونات المشهد السياسي.

عبدالحميد الجلاصي: المتمسكون بالسلطة لن يتساهلوا في مغادرة مواقعهم
عبدالحميد الجلاصي: المتمسكون بالسلطة لن يتساهلوا في مغادرة مواقعهم

وفيما يبدو من الصعب تغيير النظام السياسي حاليا بسبب حدة التجاذبات، يؤكد الخبراء أن أبرز أسباب الأزمة في تونس تكمن في نظامها الانتخابي الذي يمنع استفراد أيّ حزب بغالبية حكم ويؤدي قانون أكبر البقايا دوما إلى برلمان مفتّت، الأمر الذي يقود في النهاية إلى ارتهان الحكومة إلى الأحزاب القوية مما يصعّب مهامها.

ويتوقع هؤلاء أنه في حال لم يقع تعديل القانون الانتخابي ستفرز أي انتخابات متوقعة نفس النتائج، وستبقى ذات الأحزاب المهيمنة على البرلمان في المشهد، ما يعني أن أزمة البلاد لن تغادر مربعها الأول.

وأشار خالد شوكات الوزير السابق والناشط السياسي في تصريح لـ”العرب” إلى أنه “في حال وقعت العودة إلى الشعب بنفس القانون الانتخابي، فإن الخارطة البرلمانية لن تختلف كثيرا”.

ويرى أنه في حال تم التوافق على قانون انتخابي جديد حينها تصبح العودة إلى الشعب أكثر منطقية ويمكن أن تؤدي إلى نتيجة مرجوّة، حيث سيسمح التعديل بإفراز أغلبية واضحة باستطاعتها أن تحكم ويحاسبها الشعب لاحقا. واستدرك شوكات “لكن في ظل القانون الانتخابي الحالي سنعود إلى نفس الخارطة البرلمانية المشتتة وربما أكثر تشتتا مما يصعب من إفراز أغلبية واضحة مستقرة تحتاجها البلاد”.

ورغم تصاعد الدعوات المتتالية إلى تعديل القانون الانتخابي وإجراء استفتاء شعبي حول النظام السياسي، إلا أن الأحزاب الحاكمة تواصل التشويش عليها وإيهام الرأي العام بأن البرلمان لا يتحمل بمفرده مسؤولية مآل الأوضاع، باعتبار أن هذا النظام يعزز نفوذها فيما قد يهدد أي تعديل بإقصائها أو إضعاف حضورها.

ويعتقد شوكات أن هناك جزءا من الطبقة السياسية يريد إبقاء الحال على ما هو عليه، لكن في الحقيقة واقع البلاد الاقتصادي يدفع إلى ضرورة المراجعة والتغيير موضحا “الديمقراطية التي لا تنتج تنمية ستكون مهددة بالضرورة في وجودها”.

وأردف “إبقاء الحال كما هو عليه وسط هذا الواقع المفلس مسألة مستحيلة، كما أن جماعات الغنيمة لا يمكن أن تستمر في التلاعب بوضع البلاد (…) عمليّا لم تبق هناك غنيمة”.

ويلفت متابعون إلى أن الأحزاب الحاكمة ستستمر في المناورة حفاظا على مكاسبها، في حين لا تبدي أي نية للتنازل أو تمهيد الطريق لأي فرصة للتغيير، على رغم ما تعانيه البلاد من ظرف اقتصادي وصحي غير مسبوق.

Thumbnail

وتعكس دعوة حركة النهضة قائدة الائتلاف الحكومي مؤخرا إلى حكومة سياسية رغبتها في إرضاء الرئيس سعيّد الذي يضغط لأجل حكومة تستثني المشيشي، فيما لا يستبعد المتابعون تضحيتها برئيس الوزراء الذي دفعت به للدخول في معركة مع الرئيس، وذلك بهدف إعطاء فرصة لإنجاح الحوار الوطني، وهو ما يعني إبعاد شبح الانتخابات، السيناريو الذي تريد الحركة تجنبه.

واعتبر السياسي والباحث التونسي عبدالحميد الجلاصي في حديثه لـ”العرب” أن “الانتخابات السابقة لأوانها هي دائما حالة اضطرارية، وهي حل استثنائي لحالة الانسداد”.

وفي تقديره كان معلوما منذ البداية أنه ليس من السهل بناء منظومة مستقرة وناجعة بناء على نتائج انتخابات 2019، ومع ذلك كان مطلوبا المحاولة.

وتابع “بعد قرابة السنتين وصلنا إلى فشل وانسداد لا يجحده إلا المتوحدون والمنعزلون في عوالمهم المغلقة وهم كثر ولا يزالون يقترحون وصفات غايتها التحكم وإظهار الفوز على الخصوم داخل منظومة الحكم وليس اقتراح البرامج والإنجاز، هذا هو الوضع الذي يستدعي تنظيم انتخابات سابقة لأوانها”.

مع ذلك يلفت الجلاصي إلى أنه “أمام هذا المسار عوائق دستورية وسياسية، إذ أن المتمسكين بالسلطة لن يتساهلوا في مغادرة مواقعهم ولا في تغيير قواعد اللعبة، أي القانون الانتخابي بما يمكن أن يقلص من حظوظهم في الانتخابات القادمة”.

 

فريد العليبي: لا شيء يشير إلى أن الانتخابات ستمكّن من حل الأزمة
فريد العليبي: لا شيء يشير إلى أن الانتخابات ستمكّن من حل الأزمة

 

 وبرأيه “هناك أمل ضعيف وهو أن تتدارك المنظومة أمرها وتبحث عن صيغة للتعايش وإنهاء العهدة بطريقة معقولة يظهر فيها الاهتمام بالمواطنين، لكن إن لم يحصل ذلك واستمرت ألاعيب القصور والتنظيمات المتوحدة فقد يدفع الشارع والمجتمع المدني هذه المنظومات إلى الرجوع إلى صندوق الاقتراع”.

وما يزيد من احتمال ممارسة الشارع ضغطه على الطبقة الحاكمة عبر العودة إلى الاحتجاج، استمرار العراك في البرلمان في مشاهد يومية تناقلتها وسائل الإعلام وهي محل استياء وامتعاض التونسيين، وهي برأيهم تشوه مرحلة الانتقال الديمقراطي وتنقل صورة سيئة إلى العالم عن أوضاع البلاد.

 وعلى وقع خلافات ومشادات واشتباكات بين أعضاء كتل نيابية خاصة مع التجاء بعض القيادات إلى العنف، عادت إلى الواجهة الدعوات إلى حل البرلمان بهدف إحداث تغيير حقيقي وإفراز مشهد جديد يتسق وتطلعات الشارع.

 لكن برأي متابعين ومحللين وبالعودة إلى التجارب الانتخابية السابقة التي أفرزت ذات المنظومة الحاكمة، يبدو الأمل في التغيير ضعيفا.

وأشار المحلل السياسي فريد العليبي في حديثه لـ”العرب” إلى أن “كثيرين يتحدثون اليوم عن الانتخابات المبكرة باعتبارها حلا للانسداد السياسي، وهؤلاء يوحدهم التناقض مع الإسلام السياسي وحلفائه بينما يتمسك الإسلاميون بالسلطة في شكلها الحالي وتعزيزها من خلال ما يسمونها حكومة سياسية مسؤولة، وهذا الخلاف مفهوم من حيث كونه يشير إلى أن الصراع الرئيسي هو على السلطة”.

وتابع مستدركا “لكن لا شيء يشير إلى أن تلك الانتخابات ستمكن من حل الأزمة”.

وخلص قائلا “لقد عرفت تونس مواعيد انتخابية متتالية ولكن الأزمة ظلت على حالها، وهنا تكمن أهمية توفير مستلزمات محددة من شأنها ضمان شروط دنيا لذلك الحل ومنها تغيير الدستور والقانون الانتخابي”.

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى