تقنية

الأسلحة الذكية تشعل حربا باردة جديدة ومختلفة

الأسلحة الذكية تشعل حربا باردة جديدة ومختلفة

تطوير أسلحة بتقنيات الذكاء الاصطناعي يثير قلقا عالميا كونه قد يزعزع استقرار ميزان القوى العسكرية بين الدول الصناعية الرائدة.

في خضم الحديث عن التهديدات النووية والتحذيرات بضرورة احترام معاهدة الحد من انتشار الأسلحة النووية ومعاهدة الأسلحة المضادة للصواريخ الباليستية، يدخل تهديد جديد لا يقل خطورة ويفرض بدوره وفق الخبراء معاهدة شبيهة، لكنها تهتم بالأسلحة الذكية، حيث أصبح تطوير أسلحة بتقنيات الذكاء الاصطناعي مضمارا جديدا تتسابق فيه القوى العسكرية المؤثرة في العالم.

واشنطن – يعرّف جون مكارثي، وهو أحد البارزين في مجال التكنولوجيا، الذكاء الاصطناعي بأنه “علم وهندسة صنع الآلات الذكية”. وتكتسب هذه التكنولوجيا أهمية تدريجية في المجال العسكري.

وفي حين يتسع استخدام الذكاء الاصطناعي في المجال التجاري، أعلنت ثلاث دول أنها تطور تقنيات عسكرية تعتمد عليه، وهي الولايات المتحدة والصين وروسيا. وتعد التكنولوجيا بتوفير ميزات مهمة لقدراتها العسكرية الهجومية والدفاعية المتطورة.

أصبحت تقنية الذكاء الاصطناعي قادرة على الاندماج بالأسلحة المتطورة العادية. ويشير بافل شاريكوف، الخبير في معهد ستراتفور الأميركي للدراسات الأمنية والاستراتيجية إلى أن

هذا التطور يثير القلق في الساحة العالمية لأنه قد يزعزع استقرار ميزان القوى العسكرية بين الدول الصناعية الرائدة.

ويرصد التقرير الأميركي أبرز التهديدات التي تمثلها هذه الأسلحة الذكية، بما قد يستوجب النظر في توقيع اتفاقيات ومعاهدات تحدد استعملها على غرار السلاح النووي. فمع انتشار هذه التكنولوجيا والتمكن منها، أصبحت المزيد من الأهداف معرضة للاختراق، ما يعني أن البنية التحتية الحيوية (النظم المصرفية، سجلات المستشفيات، مفاعلات الطاقة النووية في البلاد) أصبحت في الواجهة.

وكرد على تصاعد هذه المخاطر، دعا وزير الخارجية الألماني هايكو ماس إلى بذل جهود عاجلة لضمان بقاء البشر متحكمين في الأسلحة الفتاكة باعتبارها خطوة نحو حظر “الروبوتات القاتلة”. ودعت الأمم المتحدة والاتحاد الأوروبي إلى فرض حظر عالمي على مثل تلك الأسلحة لكن النقاشات لم تسفر عن التزام واضح يفضي إلى إبرام معاهدة.

وتكمن أكثر المشاكل خطورة على توازن الطاقة النووية في آثار الأسلحة السيبرانية المتطورة التي تعززها تكنولوجيا الذكاء الاصطناعي.

حرب باردة مختلفة

اليوم، يخوض أكبر مالكي الأسلحة النووية في العالم حربا باردة جديدة ومختلفة، حيث إن قنوات الاتصال التقليدية غير الفعالة تزعزع الدبلوماسية النووية الهشّة بين الولايات المتحدة وروسيا.

إلى جانب الانسحاب الأميركي من معاهدة القوات النووية المتوسطة، لم يعد نظام تحديد الأسلحة الذي حددته الحرب الباردة يضمن الاستقرار الاستراتيجي في الساحة النووية. كما ستضخم التكنولوجيات الجديدة هذا الوضع المقلق.

الذكاء الاصطناعي والهجمات السيبرانية والأسلحة النووية: مزيج خطير
الذكاء الاصطناعي والهجمات السيبرانية والأسلحة النووية: مزيج خطير

بدأ سباق تسلح جديد على المستوى التقني، ويمكن أن يطرح الذكاء الاصطناعي خطرا لم يسبق له مثيل عند دمجه مع تقنيات أخرى مثل الحوسبة السحابية والبيانات الضخمة، وإنترنت الأشياء، وغيرها من التكنولوجيات.

وتنصّ استراتيجية الذكاء الاصطناعي التابعة لوزارة الدفاع الأميركية المنشورة مؤخرا، على أن أكثر القدرات التي يمكن تحويلها إلى الذكاء الاصطناعي ستنشأ من التجارب.

ويشمل ذلك إنشاء أسس مشتركة للبيانات والأدوات والأطر والمعايير والخدمات السحابية. وعلى سبيل المثال، تحتاج تقنيات التطوّر الذاتي إلى بيانات للتعلم. نتيجة لذلك، يتطلب عملها ربطها بقواعد بيانات يتم تحديثها باستمرار. وبحسب الاستراتيجية التابعة لوزارة الدفاع، سيؤثر الذكاء الاصطناعي على الأنشطة العسكرية؛ من التدريبات وحماية القوات والتجنيد إلى الرعاية الطبية وغيرها.

وقال تيد سيناتور، مدير مكتب مشاريع البحوث الدفاعية المتطورة (داربا)، إن تقنية القيادة الذاتية أصبحت ممكنة أكثر بفضل كميات البيانات الهائلة التي جمعتها.

وأكّد البنتاغون أن الذكاء الاصطناعي يزيد من سرعة التهديدات التي تواجه البيئة الأمنية الحالية وأن على الولايات المتحدة أن تتبنى تكنولوجيا الذكاء الاصطناعي مع حلفائها وشركائها للحفاظ على موقعها الاستراتيجي في المعارك المستقبلية.

يستحيل عكس تقدم الذكاء الاصطناعي وتطوره. لكن، يمكن وضع قواعد تنظّم سباق التسلح الذي يتضمن هذه التكنولوجيا. وفي هذا الصدد، يجدر التفكير في تجربة مثل معاهدة الأسلحة المضادة للصواريخ الباليستية التي وقعتها الولايات المتحدة والاتحاد السوفييتي في السبعينات.

حظر الأسلحة الذكية

بدلا من الدخول في سباق تسلح يتركز حول هذه التكنولوجيا الجديدة، وافق الاتحاد السوفييتي والولايات المتحدة على التخلي عن خطط لإدخال تقنيات مضادة للصواريخ الباليستية من أجل تحقيق الاستقرار الاستراتيجي.
 واستمرت هذه المعاهدة حتى سنة 2002، عندما انسحبت الولايات المتحدة منها. ويمكن أن تشكّل معاهدة الأسلحة المضادة للصواريخ الباليستية أساس اتفاق مماثل بشأن الأسلحة السيبرانية القائمة على الذكاء الاصطناعي. وتعمل الأجهزة التي تطور نفسها ضمن الإطار الذي صممه البشر، وتنبغي مناقشة تقنيات الذكاء الاصطناعي الهجومية على المستوى الدولي.
وفي حين تنقرض اتفاقات الحد من الأسلحة النووية ببطء، أصبحت هناك حاجة ملحة إلى التفاوض على معايير جديدة، حيث يجب أن تصبح تقنيات الذكاء الاصطناعي موضوع مفاوضات بين القوى العظمى خاصة روسيا والولايات المتحدة.
ويجب أن تتداول هذه المناقشات العناصر التي تشكل الجرائم السيبرانية ودفاعاتها (بما في ذلك تلك المتعلقة بتقنيات الذكاء الاصطناعي)، ومسارات تصعيد الصراع والحد منه. كما ينبغي أن تضع قيودا على روسيا والصين والولايات المتحدة، لتحديد العوامل والظروف التي يمكن أن تستخدم فيها الدول الأسلحة الإلكترونية. ويجب أن يشمل الاتفاق طرقا للتحقق من الالتزام به.
غير أن ذلك يبقى أمرا صعبا، وفق شاريكوف، لكنه حاسم لإجراء محادثات ناجحة حول الاستقرار الاستراتيجي في الفضاء الإلكتروني. ويمكن للقادة الروس والأميركيين تعزيز الاستقرار من خلال إعلان سياسي مشترك ينص على أن الدول الموقعة لن تهاجم البنى التحتية الحيوية، مثل أنظمة القيادة النووية، باستخدام تقنيات الإنترنت أو الذكاء الاصطناعي.

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى