أخبارعالمية

الأزمة المالية تقرّب الكويت من مرحلة شدّ الأحزمة

الكويت – تدفع الأزمة المالية المستفحلة في الكويت حكومة الشيخ صباح الخالد نحو دراسة حلول يمكن وصفها بالقصوى، حيث لم يكن مجرّد التفكير فيها مطروحا خلال سنوات الوفرة المالية التي شهدتها البلاد في فترات سابقة، والبحبوحة التي رَفَل فيها الكويتيون على مدى عقود من الزمن.

وبعد تداول أنباء عن توجّه نحو تقليص الدعم السخي الذي تقدّمه الدولة للمواطنين على المواد الأساسية والخدمات، يتمّ حاليا في الكويت تداول أفكار بشأن تقليص الإنفاق الحكومي وإلغاء ما يعتبر مصروفات على أنشطة غير ضرورية.

ويشمل ذلك إلغاء عدد من المهام الرسمية للجهات الحكومية وعدم مشاركة تلك الجهات في المعارض والمؤتمرات الدولية والندوات وورش العمل، وكذلك إلغاء التدريب الخارجي والمحلي والضيافة والحفلات والرعايات والهدايا أو تقليص المشاركة فيها لأقل قدر ممكن والاكتفاء بما تمليه الضرورة القصوى ومصلحة الدولة.

وبرز الحديث بشكل لافت في الكويت بشأن سيناريوهات لمواجهة الأزمة المالية منذ الإعلان مؤخّرا عن تسجيل عجز غير مسبوق في موازنة الدولة للسنة المالية 2020 – 2021، بلغ ما يعادل 35.5 مليار دولار.

وأوردت صحيفة الرأي الكويتية في عددها الصادر الجمعة نقلا عن مصادر وصفتها بالمطلعة، أن تلك الأفكار طرحت للنقاش داخل اللجنة الاقتصادية التابعة لمجلس الوزراء.

وأضافت أنّ من ضمن الأفكار المطروحة إلغاء برنامج التأمين المخصص للمتقاعدين الممول من قبل الدولة، والذي يعرف محليا تحت مسمّى “عافية”، وتقدّر تكلفته السنوية بقرابة 512 مليون دولار.

ويشمل تقليص الأنشطة الحكومية غير الضرورية، بحسب المصادر نفسها، سفر الوفود الحكومية للمشاركة في فعاليات خليجية وإقليمية ودولية، والتي يحرص غالبية المسؤولين على حضورها عادة مع مرافقين بدرجات وظيفية مختلفة، قد تصل أعدادهم في بعض الأحيان إلى خمسة أشخاص.

1.32 مليون دولار تسعى الحكومة الكويتية لتوفيرها بإلغاء أنشطة حكومية غير ضرورية

وتأمل الحكومة من وراء تلك الإجراءات في توفير مبالغ مالية تصل إلى أكثر من 1.32 مليار دولار.

وجاء الكشف عن دراسة الحكومة الكويتية لهذه الإجراءات التقشفية أياما بعد كشف مصادر حكومية نقلت عنها الصحيفة نفسها عن انطلاق نقاش حكومي بشأن مراجعة عدّة أنواع من الدعم المقدّم من قبل الدولة على السلع والخدمات، بهدف خفض الفاتورة بنحو 6.64 مليار دولار، ما يشكل نحو 50 في المئة من إجمالي الدعم الذي قدمته الحكومة خلال السنة المالية الماضية بنحو 12.42 مليار دولار.

ومما طرح أيضا من مقترحات خفض فاتورة دعم بعض منتجات الوقود وتحديدا البنزين، وذلك من خلال رفع أسعاره. كما تم التطرق إلى إمكانية خفض كلفة دعم الكهرباء. وشمل النقاش أيضا رفع قيمة الإيجار على عدّة مرافق تابعة للدولة التي دأبت على تأجيرها بأسعار رمزية.

ولسنوات طويلة ظلّ من غير المطروح في الكويت التي تستند إلى ثروة نفطية هائلة أن يواجه البلد أي صعوبات مالية، بينما نحت الدولة في تقديماتها الاجتماعية منحى بالغ السخاء وفّر حالة استثنائية من الرفاه للمواطنين الكويتيين، قبل أن تكشف الهزّة الكبيرة التي شهدتها أسواق النفط العالمية خلال السنة الماضية وكذلك تبعات جائحة كورونا، الخلل الكبير في الاقتصاد الكويتي وهشاشته الشديدة بفعل افتقاره للتنوّع واعتماده بشكل شبه كلّي على عوائد بيع الخام.

لكنّ أكبر المفاجآت للكويتيين تمثّل السنة الماضية في طرْح حكومة الشيخ صباح الخالد عن طريق وزير المالية آنذاك براك الشيتان لسيناريو العجز عن دفع رواتب الموظفين الحكوميين، ما يعني اللجوء إلى الاقتراض والسحب من رصيد الصندوق السيادي المعروف بصندوق الأجيال القادمة.

ومن المفارقات أنّ الثروة الكويتية لم تثمر نتائج إيجابية دائما، بل أوجدت اختلالات مزمنة يعانيها البلد حاليا، وعلى رأسها اختلال التركيبة السكانية، حيث جلبت الوفرة المالية الملايين من العمال الأجانب لسد النقص الحاد في الأيدي العاملة، والذي كرّسه عزوف الكويتيين عن العمل في أعمال متعبة وقليلة الدخل المادّي، بينما هم غير مضطرين إلى العمل نظرا لما تقدمه لهم الدولة من دعوم سخيّة. وقد ترتّب على ذلك تجاوز عدد الوافدين ضعفي عدد المواطنين، وغرق سوق الشغل بعمالة هامشية غير مؤهلة تساهم في استنزاف الثروة الكويتية بتحويلاتها المالية بالعملة الصعبة نحو بلدانها الأصلية.

وتلازم الطبقةَ السياسيةَ في الكويت منذ سنوات فكرةُ حتمية الإصلاح دون أن يتمّ الشروع في ذلك بشكل عملي، نتيجة نوع من الاتكالية على البحبوحة المالية المتحقّقة بفعل الأسعار الجيدة للنفط، وأيضا بفعل صراعات سياسية وخصوصات بين الحكومات والبرلمانات المتعاقبة والتي تؤثر بشكل واضح على اتخاذ القرارات وسنّ التشريعات، خصوصا إذا كانت تمس بمصالح وامتيازات جهات بعينها.

وتهيمن على الاقتصاد الكويتي القوانين التقليدية، حيث تسيطر الدولة على جميع القطاعات المنتجة وتجد صعوبة في تقليص الإنفاق بسبب الرفض السياسي والشعبي لأيّ تقليص للإعانات والدعم الحكومي، في وقت لا يزال فيه دور القطاع الخاص محدودا في تخفيف الأعباء عن الدولة.

ويرى خبراء الاقتصاد ضرورة أن تقدم السلطات الكويتية على تنفيذ استراتيجية تقشف واضحة تقطع مع الخط الأحمر الذي تتمسك به المعارضة، وهو المساس بنموذج الرفاه الذي تعودت به الكويت خلال عقود. ويعتبرون أنّه لا مناص من أن تسلك الكويت طريق دول خليجية أخرى لجأت إلى فرض الضرائب لأجل تنويع مصادر دخلها. كما أنه لا حل أمامها سوى التحكم في الإنفاق السخي الموجه إلى القطاع الحكومي والتقليص من العلاوات الموجهة إلى قطاع واسع من الموظفين غير المنتجين.

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى