الأخبار

استقطابات خارجية تمهّد لإنهاء التسوية السياسية في لبنان

بيروت – يترقب أن يشهد لبنان خلال المرحلة المقبلة حالة صراع سياسي داخلي في شأن خياراته المرتبطة بالسياسة الخارجية على ضوء التطورات التي سيشهدها الملفان السوري والإيراني.

وتوقعت مصادر وزارية لبنانية أن يتم تجاوز حالة المراوحة والرمادية في الشقّ المتعلق بعلاقات لبنان الخارجية، مشيرة إلى أن المواقف التي يطلقها رئيس الوزراء اللبناني سعد الحريري ورئيس الجمهورية ميشال عون تكشف انتهاء حالة التعايش المرّ بين فرقاء التسوية الرئاسية حول شؤون العلاقة مع العرب وإيران.

ويقود الحريري تيارا سياسيا ينأى بالنفس عن سلوك حزب الله ويسعى لتمتين علاقات لبنان مع البيئة العربية، فيما يمثل عون تيارا سياسيا يقوده حزب الله يسعى إلى إبعاد لبنان عن الدوائر العربية والدولية لصالح الخيارات التي تربط لبنان بأجندة طهران.

وباشر الحريري منذ المقابلة التي أجرتها معه قناة cnbc الأميركية انتهاج عنوان جديد في الدفاع عن موقف الدولة اللبنانية، من خلال قذف مشكلة حزب الله إلى الملعبين الإقليمي والدولي، إلى درجة اتهام الدوائر الدولية بإهمال اتخاذ مواقف صارمة ضد إيران وحزب الله خلال العقود الأخيرة ما أدى إلى توسع أخطارهما، وأن لبنان، كما المنطقة، هو ضحية تلك الأخطار وليس مسؤولا عن تفاقمها.

وأقرت مصادر سياسية في بيروت بأن موقف عون من على منبر الأمم المتحدة في مسألة اللاجئين السوريين في لبنان، يمهّد لعلاقات يريد عون تسخينها مع النظام السوري تحت عنوان إعادة اللاجئين.

وأضافت أن الأمر سيفتح سجالا داخليا خلافيا حول مسألة التطبيع مع نظام يرفض المجتمع الدولي وصل العلاقات معه قبل إتمام عملية سياسية تكون المعارضة جزءا منها.

وترى هذه المصادر أنه لا يمكن للبنان أن يتخذ موقفا مغايرا لمزاج الولايات المتحدة والاتحاد الأوروبي في الشأن السوري، فيما روسيا نفسها، وهي راعية الحل والربط في الملف السوري، تسعى لإطلاق عملية سياسية من خلال التوصل إلى تشكيل اللجنة الدستورية، بغية إقناع المجتمع الدولي بنجاعة عملية سياسية تنهي المأساة في هذا البلد.

وتلفت مصادر دبلوماسية غربية في بيروت إلى أن عون يقود، بصفته رئيسا للجمهورية، سياسة تهدف إلى الالتصاق بتحالف موسكو-طهران على الرغم من أن تناقضا قد يشوب هذا التحالف في الملف السوري.

وتضيف المصادر أن عون يعمل على استدراج رعاية روسية تقوي من موقفه وموقف تياره، مقابل الموقف غير الودي الذي تعبر عنه الإدارة الأميركية في علاقاتها برئيس الجمهورية وصهره وزير الخارجية جبران باسيل.

وكان عون وجّه الشكر إلى روسيا ورئيسها فلاديمير بوتين خلال زيارته الأخيرة إلى موسكو لما “تفعله موسكو من أجل حماية الأقليات”.

وقالت المصادر إن عون لم يتصرف حينها بصفته رئيسا لجمهورية كل لبنان، بمسلميه ومسيحييه، بل بصفته زعيم أقلية تتوسل حماية من دولة كبرى، ويجاهر بالسعي لما يطلق عليه “تحالف الأقليات” في المنطقة، والذي أراد له سقفا إقليميا عنوانه طهران، وسقفا دوليا عنوانه موسكو.

رئيس الحكومة سعد الحريري يعمل على تمتين علاقات لبنان مع العالم
رئيس الحكومة سعد الحريري يعمل على تمتين علاقات لبنان مع العالم

بالمقابل، قال متابعون لزيارة الحريري إلى الإمارات إن رئيس الحكومة اللبنانية يتصرف بصفته رئيس كل لبنان، ويعمل على تمتين علاقات البلد بالعالم، وخصوصا دول الخليج التي يُعوَّل عليها لإنقاذ لبنان من ضائقته المالية، مشيرين إلى أن الحريري يكرر، من خلال استظلاله بالأشقاء العرب، بأن لبنان غير تابع للأجندة الإيرانية، ولا شأن له بما يصدر عن ذراع إيران في لبنان، حزب الله، من مواقف وسلوكيات عدائية ضد الدول الشقيقة والصديقة للبنان.

ويدعم خيارات الحريري في الاتجاه للعمق العربي موقف الإمارات الإيجابي بإعادة السماح لمواطنيها بالسفر إلى لبنان، وتنظيمها لمؤتمر استثماري لمساعدة لبنان، يضاف إلى مواقف سعودية سابقة تذهب في نفس المنحى جاء آخرها على لسان وزير المالية محمد الجدعان الذي أعلن أن البحث جار مع الحكومة اللبنانية في دعم الخزينة، وذلك عبر إيداع وديعة مصرفية.

وباتت الدوائر الخليجية والدولية تتعامل مع لبنان بصفتها شريكا في مساعدة الدولة اللبنانية على النهوض ومقاومة سطوة النفوذ الإيراني على مفاصل الحكم في البلاد.

وفي الشكل، فإن موقف الحريري الذي يبعد الدولة عن مواقف حزب الله، الذي يعتبره “مشكلة إقليمية” وليست لبنانية، يتناقض بشكل حازم مع موقف عون المدافع عن حزب الله وسلاحه لدواعي “الدفاع عن لبنان ضد إسرائيل” كما اعتباره أن “المقاومة” هي حاجة للبنان.

وتعبر مواقف الرجلين في الواقع عن اللحظة الإقليمية التي يعيشها لبنان بين احتمالات الحرب والسلم مع إيران، كما تلك الملتبسة المتعلقة بالمآلات الغامضة للمسار في سوريا.

ويتحرك رئيس الحكومة ورئيس الجمهورية، كل من جهته، ووفق حساباته، على أرضية توحي بولوج عصر التفاهمات الكبرى في المنطقة.

ويرى مراقبون أن المواقف الخليجية، لاسيما السعودية الإماراتية، باتت تنأى بنفسها عن أي تصعيد من شأنه تفجير حرب ضد إيران، كما أن خطاب التهدئة المتبادل بين الحوثيين والرياض يعكس أجواء جديدة تتيح للحريري هامش مناورة أوسع لدى الحلفاء في الخليج كما لدى فرقاء التسوية الرئاسية في لبنان بما في ذلك حزب الله نفسه.

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى