مقالات

استعمال الأطفال للألفاظ النابية مرتبط برد فعل المحيطين بهم

لندن- لا يجد بعض الأطفال حرجا من التلفظ بالكلمات البذيئة خاصة عندما يكونون بعيدين عن آبائهم وأمهاتهم، ويتأثر بعض الأطفال المحيطين بهم بهذه الألفاظ ويسعون إلى تقليدهم.

وأكدت مريم بن موسى أم لطفلين أنها وزوجها لا يستخدمان مطلقا الكلمات النابية كما أن هذه الكلمات غير متداولة في محيط العائلة إلا أنها فوجئت بتلفظ ابنها ببعض الكلمات الغريبة والشتائم التي لا تعرفها ولاحظت أنه تعلم هذه الكلمات المحرجة بعد دخوله إلى الحضانة.

وأشارت إلى أنها حاولت التعرف على أصدقائه الذين تعلم منهم هذه العبارات وإبعاده عنهم إلا أنها واجهت صعوبة في مراقبته ووجدت أن الأسلوب الأنسب هو توعيته بالآثار السلبية لهذه العبارات ومحاولة تفسير وقعها السيء عليه وعلى المحيطين به.

وقال خبراء في تربية الأطفال إن مصادر الكلمات النابية لا حصر لها في محيط الطفل مثل دور الحضانة أو المدرسة أو الأقارب الأكبر سنا أو الآباء أنفسهم. كما أن وسائل الإعلام مثل التلفزيون ومقاطع الفيديو عبر الإنترنت وأغاني الراب، هي مصدر كبير للألفاظ النابية بالنسبة إلى الأطفال الأكبر سنا والمراهقين.

وأشاروا إلى أنه عندما يتعلم الأطفال كلمة نابية، فإنهم يقومون بتجربتها في حديثهم وتكرارها على الفور، موضحين أنها عادة لا تكون الكلمة نفسها ما يروق للطفل ولكن من رد فعل مَن يسمعها عندما يتلفظ بها.

وأكدوا أن السلوك العدواني اللفظي لدى الطفل يتبلور في عمر الأربع سنوات عندما يذهب إلى الحضانة ثم إلى المدرسة حيث يلتقط الكثير من الكلمات النابية من زملائه ويتعرف إلى معانيها، وقد يستمر هذا السلوك عندما يكبر، لافتين إلى أن الطفل يندفع إلى الشتم كردة فعل على الإحباط أي كوسيلة لإيذاء الآخر. كما أنه يتلفظ بالشتائم نتيجة للفوضى الموجودة في منزله.

وأشاروا إلى أن الوضع الاجتماعي للأُسر يساهم في اكتساب الطفل لهذه الألفاظ، وكلما كانت الأسرة واعية لما يتلفظ ويتفوّه به أبناؤها، مع تشجيعهم على انتقاء الألفاظ السليمة، كلما ارتقى الابن بكلماته ورفض التلفظ بالعبارات النابية التي تعطي انطباعا سلبيا عن الطفل وعن محيطه الأسري والاجتماعي وتجعله منبوذا.

مصادر الكلمات النابية لا حصر لها في محيط الطفل

وصنفت الأكاديمية فاطمة هاشم، الأستاذة في كلية التربية بالجامعة اللبنانية، الألفاظ النابية والشتائم ضمن العنف اللفظي المنطلق من الذات نحو الخارج، موضحة أنها نوعان إمّا تشبيه الإنسان بالحيوان وإمّا استخدام الكلمات الجنسية باعتبارها أسوأ أنواع الشتم وأكثرها تحقيرا للآخر.

وبينت أن العنف اللفظي يستخدم حين يكون الطفل غير قادر على استعمال طاقته الجسدية للضرب، وقد يحل العنف اللفظي محل العنف الجسدي نتيجة خوف الطفل من العقاب. ولفتت إلى ضرورة معرفة مستوى التربية داخل البيت، أي هل يشتم أفراد الأسرة بعضهم بعضا؟ حينها يعمد الأطفال إلى الشتم للدفاع عن أنفسهم في مواجهة عدوانية الآخرين، البعض الآخر يستخدم الشتم وسيلة لتفريغ طاقته الداخلية المضطربة كالقهر، وكلما كانت الشتيمة مهينة فإنها تفرغ طاقة أكبر، مشيرة إلى أن الطفل يستمر بالشتم إذا وجد استحسانا من جانب الأهل أو الأصدقاء.

وكشف استطلاع للرأي أن أغلب الآباء والأمهات لاحظوا أن أطفالهم قد تعلموا بعض الكلمات النابية من المدرسة، وشدد الخبراء على أن اكتساب الصغار لتلك الألفاظ، وكذلك تغييرها، يعد مسؤولية مشتركة ينبغي أن يتحملها كل من الأهل والمدرسة.

واتفق الكثير من الآباء والأمهات على أن الأبناء قد يلتقطون كلاما غير لائق من زملائهم في المدرسة، أو من أي مكان عام، لافتين إلى أن بعض الأمهات أو الآباء يعلمون أطفالهم بعض هذه الألفاظ أو حتى الشتائم، ويفخرون بذلك، ويقومون لاحقا بتأنيب الطفل حين يكبر، لأنهم يريدونه أن يتوقف عن الألفاظ التي يقولها، مؤكدين أن التقاط الطفل لتلك الألفاظ في المدارس هو نتيجة تعليم بعض الأهالي لأولادهم التفوه بهذا الكلام، وبالتالي فالطفل يردد ما يعلمه أهالي زملائه في الصف.

وتوصلت بحوث حديثة إلى أن ضعف الحوار بين المراهقين يزيد من سلوكهم العنيف، وعندما يفتقد المراهق القدرة على التعبير بالكلام، يصير العنف الجسدي أحد أشكال التعبير عنده.

وكشفت أن بعض المراهقين يستخدمون الشتائم والعبارات النابية في ما بينهم. وهذه طريقتهم في إزالة عالم الراشدين المهذب وانتهاك أصول السلوك الحسن من دون أن يتعرضوا للعقاب. وللأهل دور في تقويم لغة المراهق وحمله على التعبير بشكل سليم.

وبين المختصون أن إطلاق المراهق العبارات البذيئة والشتائم المهينة يعود إلى رغبته في التمرد ورفض وصاية الأسرة ونصائحهم في محاولة منه إلى الانفصال والاستقلال عن توجيهات والديه وعلاقة التبعية التي تربطه بهما.

ولفتوا إلى أن تمسك الطفل بالكلام النابي أو عزوفه عنه مرتبط برد فعل المحيطين به، فالطفل الذي يريد جذب انتباه أهله، يتعمد التفوّه بالكلمات الوقحة عندما يلمس تفاعلهم الشديد في كل مرة يتفوه بها.

وأوضحوا أن الكلمة النابية تفتقر إلى اللباقة، وهي كلمة تسيء إلى الحشمة وتنتهك اللياقة الاجتماعية، وهناك فارق بين الكلمة البذيئة والشتيمة والإهانة، ولكن المشترك بينها، أنها تصدر جميعها بسبب التوتر والغضب، فالطفل قد يقول كلمة بذيئة بسبب مشاعر سلبية تنتابه، وعندما يشتم فإنه يعكس عدوانية تهدف إلى تحقير الآخر.

وقال الخبراء إنه إذا كان الطفل الذي يتراوح عمره بين ثلاث وست سنوات يهين ويشتم الأشخاص الأكبر منه سنا فلا تضحك في وجوههم، لأنه إذا لم يتم تصحيح هذا الموقف في الوقت المناسب قد يخلق ذلك مشاكل في التعايش مع الطفل وتوترا في المنزل، منبهين إلى أن الأطفال الذين تزيد أعمارهم على ست سنوات يعرفون متى يطلقون إهاناتهم ويستخدمونها كانتقام عندما تحدث مواقف تثير انزعاجهم أو يرفضونها.

وشددوا على أن الأطفال الصغار يعمدون عادة لإهانة غيرهم لأنهم يشعرون بالإحباط ولا يعرفون كيفية إدارة الموقف بطريقة أخرى غير تقليل احترامهم لمن حولهم، وهي طريقة لتوجيه غضبهم وحماية المساحة الشخصية الخاصة بهم، لأن لديهم عددا محدودا من المفردات التي يعبرون بها عن أنفسهم.

وسائل الإعلام مثل التلفزيون ومقاطع الفيديو عبر الإنترنت وأغاني الراب، هي مصدر للألفاظ النابية بالنسبة إلى الأطفال

ويعتبر تعليم الطفل عدم استخدام الإهانات كوسيلة لتبديد مخاوفه هو أفضل طريقة لتجنب تقليل احترامه لغيره، موضحين أنه من الأنسب تقديم حجج له حتى يقتنع بأن الإهانات تجعل الطرف الذي وجه له هذه العبارات التي تقلل من احترامه يشعر بالحزن أو الغضب، وأنه غير مرغوب فيه من قبل المحيطين به، مع ضرورة توضيح أهمية احترام الطفل لذاته وللمحيطين به سواء داخل الأسرة أو خارجها.

وتعد الإهانات التي يتفوه بها الأطفال أكثر بكثير من مجرد كلمات، لأنها تمثل انعكاسا لطريقة تصرف آبائهم ويكمن مفتاح وضع حد للإهانات والشتم في إرساء قواعد في المنزل لتفادي التربية المتساهلة، والتدخل في الوقت المناسب دون الانتظار حتى يصبح الطفل أكبر.

وأكد الخبراء أنه عادة لا يعرف الأطفال الصغار ما تعنيه الكلمة التي يتلفظون بها، خصوصا إذا كانت ذات إيحاء جنسي، وبالتالي فهم لا يستخدمونها لسب الآخرين، ونصحوا بعقاب الطفل، ولا أن يصير من عادات الآباء أن يتظاهروا بعدم سماع الكلمات النابية. ويجب أيضا ألا يتجاهلوا الشتائم الموجهة للآخرين.

وسواء كان التلفظ بها تم في الأماكن العامة أو في المنزل، يجب على الآباء أن يوضحوا أن الشتم أمر غير ظريف، وأن ينتقدوا الكلمة وليس الطفل.

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى