محليات

أزمة الخادمات الرمضانية.. هروب وسماسرة وسوق سوداء مزدهرة.. ومطالبات بحفظ الحقوق

أزمة “الخادمات” الرمضانية.. هروب وسماسرة وسوق سوداء مزدهرة.. ومطالبات بحفظ الحقوق

 

تيسطر هواجس هروب الخادمات (العاملات المنزليات) من المنازل، وارتفاع أسعارهن مع اقتراب شهر رمضان المبارك، على الأسرة السعودية التي تعتبر وجود عاملة منزلية في شهر رمضان أمراً ضرورياً ولا بد منه؛ برغم المحاولات الكثيرة للحد من الظاهرة؛ إلا أنها لا تزال تؤرق الكثير؛ حيث تشير الإحصائيات إلى أن ٦٠% من العاملات يهربون من منازل كفلائهم إلى مكاتب السماسرة، ويشكلون سبباً رئيسياً في رفع سعر السوق السوداء بشكل جنوني.

 

سلطت “سبق” الضوء على أسباب هروب العاملات وارتفاع أسعارهن مع قُرب شهر رمضان المبارك.

 

فوضى الخادمات

التقت “سبق” بسيدات للوقوف على أسباب احتياجهن للعاملة وقبولهن للأسعار المرتفعة؛ حيث قالت “أم روان” لـ”سبق”: أزمة الخادمات مشكلة يعاني منها كل بيت سعودي قبل شهر رمضان الكريم؛ لافتة إلى أنها بعد ما تكلفت مصاريف استقدام عاملة -تجاوزت ١٠ آلاف ريال- هربت بعد مضيّ عام وأربعة أشهر، ومع احتياجي الشديد للخادمة قبل الشهر الكريم اضطررت لأن ألجأ إلى أحد السماسرة لتأمين خادمة لي، وقبل أن يأتي لي بالخادمة طلب نصيبه أولاً، وقبل أي شيء 500 ريال، والخادمة لها 4000 آلاف ريال خلال شهر رمضان، وثلاثة ونصف في الشهور الأخرى.

 

أما “أم فهد” فلها موقف من الخادمات وترفض التعامل معهن بصفة دائمة في المنزل، وتكتفي بيومين في الأسبوع، وقال: “اضطررت إلى البحث عن عاملة منزلية خلال شهر رمضان فقط، ووقتها فوجئت بها تسألني عن عدد أفراد الأسرة؛ قائلة إذا كانوا خمس أفراد يكون المرتب 3500 ريال؛ أما إذا كانوا 10 أفراد فيكون الراتب 5000 آلاف ريال”؛ متعجبة من سوق الخادمات السوداء الذي بات هو من يتحكم في الأسرة السعودية! وهناك استغلال كبير لشهر رمضان؛ بيْد أننا نضطر إلى الخضوع لطلباتهن في النهاية.

 

والتقت “سبق” بالعاملة المنزلية “حميدة” إحدى الخادمات الهاربات من كفيلها، وبسؤالها عن أسباب هروبها، أجابت: سوء معاملة زوجة كفيلي وأبنائه كان سبباً في رحيلي عنهم.

 

وتابعت: أفضّل التعامل بالساعة فهو أفضل لي، وعن سعر الساعة قالت: “تصل في رمضان إلى ٤٠ و٥٠ ريال حسب التوقيت قبل أم بعد الإفطار، وأتعامل مع سماسرة العمالة المنزلية وهم يشترطون علينا نسبة في حالة إذا أتوا لي بإقامة دائمة، وبالفعل جلست قرابة ثمانية أشهر إقامة دائمة في أحد المنازل بمقابل ٢٨٠٠ ريال شهرياً، بيْد أن الظروف الاقتصادية جعلت الأسرة تستغني عني منذ أكثر من ٣ أشهر، ومن وقتها وأنا أتبع نظام الخدمة بالساعة؛ معتبرة رمضان من الأشهر التي تجلب لها الكثير من المال.

 

سماسرة السوق

من جهته أبدى الكاتب الاقتصادي جمال بنون انزعاجه من مسلسل هروب الخادمات الذي يعيشه السعوديون سنوياً خلال شهر رمضان في ظل عدم وضوح الأنظمة والقوانين من الطرفين، وقال لـ”سبق”: المجتمع ما زال يعاني من مشكلة هروب الخادمات في رمضان، وبات البحث عن خادمة من الأمور المرهقة جداً لكل منزل. وحذّر من سماسرة الخادمات الذين احتلوا المرتبة الثالثة بعد سماسرة العقار والسيارات؛ مشيراً إلى ارتفاع نسبة هروب الخادمات لتصل إلى ١٢٠ هاربة يومياً من كفيلها من واقع مليون تأشيرة عاملة منزلية سنوياً؛ أي أن هناك ٤٣ ألف خادمة سنوياً تهرب من كفيلها.

 

وتابع: “خسائر العاملات الهاربات تصل إلى ٤٣ مليون ريال سعودي بواقع ١٠ آلاف ريال لكل خادمها يدفعها رب الأسرة؛ وهو يعتبر أقل سعر تكلفة للعمالة”؛ متسائلاً كيف سنعبر بهذه المشكلة التي لم نجد لها حلولاً إلى الآن؟

 

وأضاف “بنون” أن هناك ٦٠% من عاملات المنازل يعملون بدون كفالتهم بالتعاون مع مكاتب السماسرة، وكانوا سبباً رئيسياً في رفع سعر السوق بشكل جنوني، كما أن السمسار يكون له نسبة من الدخل الذي تتعاطاه العاملة.

 

وهاجم الاقتصادي “بنون” وزارة العمل؛ لعدم قدرتها على حل مشاكل العمالة المنزلية، وقال: علينا أن ننتبه إلى فكرة العمالة الذاتية؛ بحيث تصبح العاملة كفيلة نفسها وتتحمل الضرائب والمصاريف، وبهذه الطريقة سوف نقضي على احتكار سوق العمل، ورفع الأسعار؛ حيث ستضطر الخادمة للعمل حتى تستطيع تجديد إقامتها وأوراقها، وسوف تنخفض الأسعار في حالة كثرة العرض، كما تتحوّل مكاتب الاستقدام وقتها إلى مكاتب تشغيل ووسيط عمل.

 

العمالة المخالفة

ومن جانبه يقول أسعد المحمد صاحب مكتب استقدام بالرياض لـ”سبق”: ظاهرة هروب الخادمات وارتفاع أسعارهن في رمضان وغيره؛ يعود لعدة أسباب أهمها: انتشار العمالة المخالفة، واحتواء بعض الأسر لهن، وعند اقتراب شهر رمضان تستغل العاملة الأمر فتتفق مع سماسرة لتهريبها من المنزل، والعمل بشكل يومي وبالساعة في عدة منازل وبأسعار مرتفعة نتيجة لاستقبال السيدات لهن وعدم طردهن.

 

وأضاف هناك بعض المكاتب أيضاً تتفق مع العاملة على الهرب بعد عدة أشهر من عملها عند كفيلها؛ ليقوم بالمتاجرة بها بالساعة؛ مشيراً إلى أنه لو تكاتفت الأسر السعودية ورفضت استقبال أي عاملة ليس لديها إقامة نظامية وخاضعة لجهة معلومة؛ سنجد أن تلك الظاهرة اختفت.

 

ويقول “المحمد”: أصبح هناك مكاتب استقدام نظامية تستقدم عاملات للعمل بالساعة وبأسعار مقبولة، وكل شيء نظامي؛ فعلى الأسرة أن تتجه لتلك المكاتب لتأمين عاملة لها بشكل نظامي وبسعر مقبول، ومكفولة من جميع الجهات.

 

وختم “المحمد” حديثه: نأمل أن تقضي حملة “وطن بلا مخالف” على جميع المخالفين والمخالفات، وأن يتكاتف المواطنون والمقيمون مع الحملة بالتبليغ عن العاملات المخالفات عوضاً عن استغلالهم لربات البيوت ورفع أسعارهم، إلى جانب أنهم غير أمينين ويشكلون خطراً.

 

تزايد الطلب

وعزا مشعل القرشي الأخصائي النفسي، الأمر لعدة أسباب، وقال في حديثه لـ”سبق”: الأمر بكل بساطة خاضع لمبدأ العرض والطلب؛ وكلنا نعرف أن رمضان الكريم موسم طلب كبير على الخدمات المنزلية بسبب الالتزامات العائلية الكبيرة لبعض الأسر، والتي تجعل أمر الاستعانة بخادمة أمراً ضرورياً؛ لذا فهروب الخادمات المتزامن مع حلول الشهر الفضيل يرجع غالباً لتزايد الطلب على الخادمات في مقابل الأسعار الخيالية المعروضة والمطلوبة؛ لذا فإن كانت ستهرب بسبب سوء المعاملة فَلِمَ تنتظر الشهر الفضيل لتفعل ذلك؟! لذا فالطلب المبالغ فيه مع الإلحاح في ذلك رفَع سقف الرواتب ورفع معه آمال تلك الخادمات بالحصول على مبلغ في شهر واحد يعادل ما يمكنها الحصول عليه خلال ثلاثة أشهر.

 

وتابع: “هذا بالنسبة للجانب الاجتماعي والاقتصادي؛ أما من الناحية النفسية فللأمر جانبان؛ الأول يخص جهة العمل ذاتها والمتمثلة في ربة الأسرة، والجهة الثانية متمثلة في جانب العمالة والمتمثلة في الخادمة.. فالمرأة خلال الشهر الفضيل تقع تحت طائلة العديد من المهام والالتزامات الأسرية والاجتماعية التي تتزامن مع شهر الصيام والتعبد؛ فتعاني المرأة من مسألة القيام بكل تلك الالتزامات في الوقت المحدد، وكل ذلك يعزز من احتياجها للمساعدة بأي شكل كان وبأي تكلفة؛ فيكون القبول بالمبالغ الكبيرة التي تطلبها الخادمات، وربما عرضت هي مبالغ أكبر بغرض الترغيب في حالة تردد الخادمة.

 

وأضاف “القرشي”: نأتي الآن للجانب الآخر من القضية وهي الخادمة التي تعيش الغربة والوحدة في مقابل إرسال مبلغ ثابت على أقل تقدير لأسرتها، وفي ظل خضوعها لسماسرة العمالة الذين يستولون على النصيب الأكبر من الراتب؛ فإن أي زيادة في الراتب وأي موسم يمكن استغلاله هو أمر مرحّب به بل ومطلوب؛ لذا فإن كلا الجانبين يسعى حثيثاً لتحسين وضعه سواء الاجتماعي أو المادي والتخلص من كل الضغوط النفسية الناشئة عن ذلك بغض النظر عن صحة ومعقولية الطريقة أو الوسيلة.

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى