الأخبار

أزمات التحالفات الجماعية تنعكس على تحركات الحكومة السودانية

يواجه تحالف إعلان الحرية والتغيير أزمة مكتومة بين مكوناته الرئيسية، بدأت ملامحها تخرج إلى العلن مع تحفظ بعض أقطابه على تصرفات عدد من قياداته، وتصاعدت السخونة إثر تعثر المفاوضات مع الجبهة الثورية، المنضوية تحته ضمن تحالف نداء السودان، ودخولها في حوارات منفردة السبت في أديس أبابا، مع دونالد بوث المبعوث الأميركي إلى السودان، لبحث تطورات عملية السلام، بعيدا عن الحكومة وقوى الحرية والتغيير. ما يؤكد أن ثمة مأزقا يعاني منه التحالف الذي أسقط نظام الرئيس عمر حسن البشير، ويحتاج إلى مواءمات سياسية لتخطيه، قبل أن تؤدي تداعياته إلى مشكلات تؤثر على تماسكه.

نجحت قوى الحرية والتغيير في قيادة المعارضة وأسقطت نظام البشير، وقبضت على دفة المفاوضات مع المجلس العسكري، ونجحت أيضا في تمرير الإعلانين السياسي والدستوري، ثم تشكيل سلطة انتقالية من حكومة مدنية خالصة، ومجلس السيادة المكون من 11 عضوا من المدنيين والعسكريين. إلى هنا ترسخ دورها ومضت الأمور بطريقة ناعمة، مع بعض المشكلات الطفيفة التي يمكن قبولها في دولة مثل السودان حافلة بالأزمات والتحديات.

بدأت المرحلة الانتقالية ملبدة بالغيوم، حيث وجهت انتقادات لاذعة لقوى الحرية والتغيير، المشكّلة من تحالف فضفاض يضم العديد من القوى السياسية والمسلحة وتجمع المهنيين، وتيارات أيديولوجية من أقصى اليمين إلى أقصى اليسار. انصبت الانتقادات على وجود مرونة مرفوضة في إقرار بنود الوثيقة الدستورية، وطريقة الترشيحات واختيار أعضاء الحكومة المدنية بشكل لم يخل من هواجس المحاصصة السياسية.

أعقب ذلك توجيه اتهامات مباشرة بعدم التمسك بالثوابت الرئيسية في إدارة المفاوضات مع المجلس العسكري وإبداء تساهل غير مبرر، قادها الحزب الشيوعي، وهو طرف رئيسي في معادلة الحرية والتغيير، وتراكمت الأزمات التي دخلت فيها قيادات حزبية بما شتت الانتباه، وبدت المسألة كأنها منحصرة في تصيد الأخطاء وتضخيمها.

توالت فصول قصة الخلافات مع الجبهة الثورية التي تنضوي تحتها غالبية الحركات المسلحة في السودان، وتحفظت على الطريقة التي خرجت بها السلطة الانتقالية، لكن لم تعترض عليها، واتخذت مسافة من قوى الحرية والتغيير، بعدها تجرعت الجبهة من الكأس نفسه عندما أعلن حزب الأمة القومي انسحابه من تحالف نداء السودان الذي يضم الجبهة وعددا من القوى السياسية، وجرى جمع شمله في اجتماعات عقدت بمصر في أواخر سبتمبر الماضي دون أن تنتهي مشاكل النداء، وقد تعود إلى الواجهة في أي لحظة لأن عمر المسكنات التي وضعت قصير، بما يجدد باب الألم السياسي مرة أخرى.

انتبه تحالف الحرية والتغيير لحقيقة المعطيات المحيطة به، وثمة انفراط تدريجي في عقده قاب قوسين أو أدنى، يتزايد كلما أخفقت الحكومة في تحقيق إنجازات سياسية واقتصادية على الأرض، لأنه جرى تعيين الوزراء بترشيح ومباركة من التحالف، وبدت القضايا الملحة التي وعدت بحلها الحكومة متعثرة أكثر من اللازم.

باب السلام وباب الإرهاب

حدة الضغوط ترتفع على الحكومة التي تتوالى عليها الصدمات
حدة الضغوط ترتفع على الحكومة التي تتوالى عليها الصدمات

في باب تحقيق السلام الشامل مع الفصائل المسلحة خلال الستة أشهر الأولى، تكاد تكون الأمور على حالها من التعثر، وظهرت علامات تباين متعددة قد تمنع التوصل إلى نتيجة إيجابية في الموعد المحدد، أي بعد نحو ثلاثة أشهر أخرى، فاتفاق المبادئ الذي وقع في 11 سبتمبر الماضي في جوبا بين الخرطوم والجبهة ليس كافيا وتنتظره مراحل صعبة من المفاوضات.

كما أن رفع اسم السودان من على اللائحة الأميركية للدول الراعية للإرهاب لم يتغير، ويواجه مشكلات تحتاج تسويتها إلى المزيد من الوقت، ما ينعكس سلبا على الاقتصاد المتدهور، فضلا عن أن مدة الثلاثة أشهر الخاصة بإجراء الانتخابات التشريعية أوشكت على الانتهاء، ولم يتم اتخاذ خطوات عملية لتدشينها.

كلها مؤشرات تضاعف التوتر داخل الكيانات المتحالفة التي ساهمت في التغيير الثوري بالسودان، وتفتح الباب لتململ البعض هروبا من السفينة وتحسبا لغرقها، أو لعدم الاقتناع بجدوى الاستمرار في ظل فجوة سياسية عميقة.

تزداد رقعة الخلافات في بنيان قوى الحرية والتغيير مع مرور الوقت قبل إحراز تقدم ملموس في الاستحقاقات الرئيسية، وترتفع حدة الضغوط على الحكومة التي تتوالى عليها الصدمات، باعتبارها الجهة التنفيذية المطالبة بأن تشعر المواطنين بوجود تحول في حياتهم، بما أدى إلى زيادة الهوة بين القوى التي قادت التغيير في البلاد، وباتت بعض القيادات الرئيسية تحذر من مغبة انفراط عقد التحالفات الراهنة، وتناشد النخبة الرشيدة الالتفاف حول كلمة سواء، بعد ظهور تجاذبات ألقى فيها الكل اللوم على الكل.

وبدت الجبهة الثورية مقبلة على شيء من هذا القبيل، فمع أنها نجحت في جزء كبير من تضميد جراحها وجذب بعض الحركات المسلحة والقوى السياسية إليها التي لم تكن تحت سقفها من قبل، غير أن ما يوحدها اليوم قد يكون سببا في تفسخها غدا.

توافقت على تحقيق أهداف المواطنين في مناطق الأطراف المهمشة، وأذابت جانبا كبيرا من جبل الجليد الأمني والسياسي والاجتماعي، لكنْ من المرشّح أن ينفجر الخلاف عند الحديث عن توزيع السلطة والثروة، ومكانة كل حركة في الأولى ومكاسبها في الثانية، وهي الأزمة التي تواجه جميع الفصائل المسلحة عقب هدوء النزاعات والصراعات والجلوس إلى الطاولة.

تبنت الحركة الشعبية- قطاع الشمال، جناح مالك عقار، خطابا مختلفا عن الخطاب الذي رفعته الجبهة الثورية الأم منذ عزل البشير، ولوحت بتقرير المصير، أو المطالبة بالحكم الذاتي لمنطقتي جنوب كردفان والنيل الأزرق، وربما يكون هذا الاتجاه رسالة للسلطة الانتقالية والضغط عليها لاستئناف المفاوضات على أرضية ترغب في تسوية الملفات العالقة في أسرع وقت ممكن، وربما يكون ذلك معبّرا عن رغبة حقيقية.

في كل الأحوال، يرتفع معدل التباين داخل تحالفات الموالاة والمعارضة مع كل إخفاق يواجهه كل طرف، بما ينكأ بعض الجروح السياسية. ناهيك عن إصرار جناح عبدالعزيز الحلو، القوي، في الحركة الشعبية- قطاع الشمال، على الاحتفاظ بمسافة بعيدة عن الجبهة الثورية، على الرغم من حرصه على الانخراط معها في حوارات متواصلة.

لعبة التحالفات

حدة الضغوط ترتفع على الحكومة التي تتوالى عليها الصدمات
توافق على تحقيق أهداف المواطنين في مناطق الأطراف المهمشة

يبدو هذا التحالف منسجما في أهدافه وطريقة الوصول إليها، لكن لا يخلو من سوس ينخر جسده مباشرة أو بالقرب منه، بصورة تضعه في المأزق نفسه الذي تعاني منه كل التحالفات السياسية التي عجزت عن الصمود في الحكم أو المعارضة.

حاول الرئيس المعزول عمر البشير تكوين نظام حكم من طيف واسع من القوى السياسية، وضم إليه الكثير من الأحزاب من ألوان مختلفة، بعد أن جعل حزب المؤتمر الوطني هو الحاكم الفعلي، لكن هذا الطيف انفض قبيل أن يتهاوى نظام البشير.

وأخفقت المعارضة التقليدية في تكوين تحالفات سياسية وعسكرية تصمد لهز أركان الحكم السابق، بل استفاد البشير من تناقضاتها، حتى تراكمت عوامل الثورة وتشكلت قوى جديدة، مع دور طفيف للقوى القديمة، الأمر الذي ينذر بأن هذا التحالف لن يكون أفضل حالا من سابقيه، ويمنح القوى الرجعية، ممثلة في الحركة الإسلامية والأحزاب المنبثقة عنها أو تدور في فلكها، فرصة الوثوب على السلطة.

تظل الأسئلة المحورية، كيف تهتز التحالفات في السودان؟ ولماذا تفشل في الصمود أمام الرياح التي تهب عليها من داخلها وخارجها؟ وما هو مصير قوى الحرية والتغيير التي قلب ظهورها الكثير من التوازنات في السودان؟

يحدث الاهتزاز عندما تكون القوى السياسية غير واثقة في قدراتها، واجتمعت رغبتها حول هدف آني، ولا تملك طموحا مستقبليا مفصلا في الحكم أو المعارضة، ولذلك تتأثر بأي عاصفة تهب من هنا أو هناك، وقوى الحرية والتغيير تواجه سلسلة من المطبات التي تحتاج إلى مواجهة حاسمة قبل أن تتصاعد الشكوك في أن قلة خبرتها وحداثة تجربتها، تجعلانها لا تحسن التصرف في التعامل مع التطورات، وإذا كانت تشعر بالقلق ولم يمض مئة يوم على تشكيل السلطة الانتقالية، فما بالنا عندما تنتهي الستة أشهر الأولى ولم يتحقق السلام الشامل.

يرتبط مصيرها بمدى قدرتها على توفير الظهير الشعبي اللازم للحكومة، لأن الفترة المقبلة قد تكون حبلى بمفاجآت سياسية عديدة، تتطلب قوة زخم في الشارع، قبل أن تقفز عليه أحزاب النظام السابق المنظمة وتملك من الإمكانيات والأدوات والحيل ما يحوّلها إلى رقم رئيسي يصعب التخلص منه، فقد هدأ الحراك الشعبي بكل عنفوانه، وبقيت التجاذبات التي يتغذى عليها من يريد الانقضاض على توابع الثورة، والاستفادة من ارتداداتها السلبية.

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى