الأخبار

أحمد عبادي رئيس رابطة علماء المغرب والتدخل في الوقت المناسب

يدفع خبر تفكيك خلية إرهابية جديدة في المغرب قبل أيام قليلة، وهي خلية موالية لما يسمّى تنظيم الدولة الإسلامية “داعش”، تتكون من أربعة متطرفين تتراوح أعمارهم ما بين 22 و28 سنة، إلى التفكير في مواجهة خطر التشدد المستمر على الشباب، رغم أن المنطقة التي وقع فيها القبض على الخلية تضم مدرسة سيدي الزوين للتعليم الأصيل المشهورة محليا ودوليا منذ 190 سنة والتي ساهمت في نشر قيم الإسلام السمح والوسطي القائم على المذهب المالكي والعقيدة الأشعرية.

وفي الوقت الذي يبحث فيه كثيرون عن مناهج لمواجهة ذلك الخطاب، نجد الأمين العام للرابطة المحمدية للعلماء في المغرب أحمد عبادي يعلن أنه استعد منذ فترة طويلة لمهاجمة الفكرة والخطاب اللذين يدفعان الشباب للقتل وتعريض أنفسهم للقتل في سبيل ما يعتقدون أنه لأسباب دينية، لأن تلك الظواهر ليست عرضية وإنما تمس البعد التأويلي للدين، ولذلك كان لزاما الاشتباك مع هذه التأويلات الخاطئة لإظهار التأويلات السليمة التي تستند إلى سنة النبي محمد صلى الله عليه وسلم.

عبادي يصنف من الأذرع الناعمة للدولة المغربية لمحاربة التطرف وتوسيع مروحة التفكير والسلوك المبني على الخطاب الديني المعتدل عقيدة وتربية ومسلكا، فالإسلام المعتدل وخطاب التسامح سلاح فعال للتصدي للتطرف وكل أشكال الخطابات العنيفة.

فايروسات تتسرّب

دراساته الإسلامية وفي تاريخ الأديان يغنيها زاده المعرفي والأكاديمي المتنوع من خلال علم الاجتماع، وهو مسار علمي قاده فيه شغفه بالمعرفة إلى كل من فرنسا وبلجيكا وهولندا والولايات المتحدة، مع صقل أسلوبه بإتقانه للغات العربية والفرنسية والإنجليزية قراءة وكتابة وخطَابَة، فالتحصيل العلمي بالنسبة إلى عبادي ليس غاية في حد ذاته، بل مجرد بداية وعملية تستمر مدى الحياة، فالعالم يشهد تغيرا دائما وسريعا، ولمواكبة هذه الوتيرة ينبغي اللجوء إلى التكوين المستمر من أجل تدارك أوجه القصور التي تم تسجيلها.

أفكاره وخبرته كانت مبسوطة أمام كل المؤسسات، ما جعل القائمين على الأمر في المغرب يتنبهون إلى أن خطاب الرجل وشخصيته وتكوينه تخوله ليكون مخاطبا قويا ضد كل من يحمل فكرا هداما متطرفا، ويقف سدا أمام كل من يهدد التعايش والاستقرار، فتم اختياره أمينا عاما للرابطة المحمدية.

يعود اهتمام عبادي بالظاهرة الإرهابية التي ضربت العالم إلى العام 2004 عقب فاجعة 16 مايو 2003 في الدار البيضاء والهجمات التي استهدفت مركز التجارة العالمي، وهي أحداث أرست صورة غير حقيقية وغير مقبولة عن الإسلام، الذي هو في الواقع، كما يقول عبادي دين الجمال والتسامح والوسطية والاعتدال.

الفضاء الرقمي كساحة لاستقطاب الشباب ظاهرة معقدة يتقاطع فيها الجيواستراتيجي والديني والتواصلي والاجتماعي، مما يطرح، كما يرى عبادي، تحدّيا حقيقيا يتعين مواجهته بالطرق الحديثة

 ظلّ يتساءل عن الكيفية التي تسربت بها مثل هذه الفايروسات إلى المنظومة الإسلامية المشتركة لكي تتولد مثل هذه الظواهر بحيث بدت كما لو أنها منبثقة من داخل الدين الإسلامي. وهو تساؤل دفع عبادي للحديث عن الإشكاليات التي تواجه العالم الإسلامي التي حددها بنفسه في خمس إشكاليات، أولاها كما يقول “ما قد أظهرناه مما كسبت أيدينا من فساد في هذا الكوكب، والثانية هي سمّ الخوف الزعاف والتسلح الشديد الذي نلجأ إليه لمحاربة بعضنا البعض، أما الثالثة فهي ما يبدو في الأفق الأعلى من تهديدات مبطنة عن نشوب حروب كبرى، والرابعة هي الهدر، فكل سنة تنجز في عالمنا 80 مليون أطروحة بلا فائدة واضحة، والخامسة هي حاجة أسرتنا الإنسانية إلى المزيد من الحكمة”.

وفي عقده السادس، لا يكتفي عبادي بالشأن الإداري والبحث في الظاهرة الإرهابية ومقارعة خطاب التطرف العنيف، بل هو أيضا منخرط في التأليف في المجال الذي يتقنه، حيث قدم للمكتبة العربية الإسلامية العديد من الكتب مثل “الإسلام وهموم الناس” و”منهج ابن الجوزي في التفسير من خلال زاد المسير في علم التفسير”، و”مفهوم الترتيل في القرآن الكريم النظرية والمنهج”، و”الوحي والإنسان: نحو استئناف التعامل المنهاجي مع الوحي”.

عنايته بالتدريس والبحث والنشر لم تثنه عن القيام بنقل معرفته إلى أجيال صاعدة كأستاذ بجامعة القاضي عياض في مراكش وعضو في اللجنة الدائمة للمناهج والبرامج والتكوينات والوسائط التعليمية. فالدور الذي يمكن أن تلعبه المؤسسات الكبرى في الجانب البحثي والعلمي كبير، للاصطفاف مع الشباب بشكل وظيفي عن طريق شراكة إيجابية ومواكبة لا وصاية وتلقينا.

ومن وجهة نظره، لا بد من الاستفادة من ثروة الشباب وقبل كل شيء، الأسرة والمؤثرون سواء من خلال التعليم والتنظيم والاتصال والإعلام أو الإلهام الفكري أو الروحي، إضافة إلى من يسيرون المجتمعات بمختلف مراتبهم ومواقعهم. وكرسالة للشباب، يؤكد عبادي على ضرورة استثمار أمرين اثنين؛ الوقت والأحلام، لأن بلوغ هذه النجاعة في توظيف واستغلال الوقت لن يتأتى إلا إذا كان هناك حلم محفز.

الفضاء الرقمي كساحة لاستقطاب الشباب ظاهرة معقدة يتقاطع فيها الجيواستراتيجي والديني والتواصلي والاجتماعي، مما يطرح تحديا حقيقيا يتعيّن مواجهته بالطرق الحديثة. وهنا ينبه عبادي إلى أن الاتصال والتقنيات الحديثة يشكلان سلاحا رئيسيا في هذه المعركة، والحضور الكبير للناشئة اليومي في الفضاء الرقمي يستدعي أن نكون بقربهم ومن أجلهم وأن نلج هذا الفضاء لتقديم المساعدة لهم وتوجيههم.

المسجد والإنترنت

اهتمام عبادي بظاهرة الإرهاب التي ضربت العالم يعود إلى أحداث العام 2003 في الدار البيضاء، والهجمات التي استهدفت مركز التجارة العالمي، وهي منعطفات يرى أنها أرست صورة غير حقيقية عن الإسلام.
اهتمام عبادي بظاهرة الإرهاب التي ضربت العالم يعود إلى أحداث العام 2003 في الدار البيضاء، والهجمات التي استهدفت مركز التجارة العالمي، وهي منعطفات يرى أنها أرست صورة غير حقيقية عن الإسلام

يلاحظ عبادي أن التواصل من قبل من يخترقون بنية المجتمعات المحافظة ويحرفونها عن وسطيتها نحو هذا التطرف والتشدد، يتم بالأساس عبر الوسائل الرقمية، بمعنى أن البعدين المرتبطين بالمسجد والتعليم أصبحا، رغم ضرورتهما ومحوريتهما غير كافيين، ووجب دعمهما بالبعدين المرتبطين بالشباب والتثقيف بالنظير، من خلال أبعاد اللعب سواء في الملاعب الرياضية أو عبر الإنترنت. لهذا يرى عبادي أن تأثير وسائل التواصل الاجتماعي على الشباب المغربي واضح، ولهذا كان ضروريا الاستفادة من رواد لهم تأثير أكبر من غيرهم، عبر آلية تستند إلى ثلاث دعامات؛ خطاب يعانق ما ينتظره الشباب، ولغة واضحة، وعناصر الجاذبية المتمثلة في جمالية الطرح. وأمام هذه الدينامية يصبح التحصين صعبا، والحل الوحيد كما يقترح، هو بناء جهاز مناعة وجداني فكري وأهمية أن يكون خطاب التمنيع مشغولا ومتملكا لقضية من القضايا، همه الدفاع عنها واكتساب معلومات جديدة.

من جانب آخر، فإن إيلاء الأهمية لمواقع التواصل الاجتماعي أضحى ضرورة قصوى، وتعزيز مهارات الشباب ليؤثروا على نظرائهم بطريقة إيجابية، وهي الاستراتيجية التي يتحرك ضمنها وفي أفقها عبادي، بإشراك العديد من الفاعلين، لأنه على الجانب الآخر يتم التصرف بدهاء شديد وبمهنية مثيرة بالفعل للتساؤل.

بإشراف عبادي أطلقت الرابطة المحمدية منصة علمية إلكترونية بعنوان “الرائد”، هدفها “ترسيخ الإسلام الوسطي المعتدل، ومحاربة وتقديم بدائل علمية ومعرفية للشباب في المجال الرقمي الذي يعج بألغام”. ومنذ توليه مهامه في الرابطة، وهو يحرص على أن يكون عند حسن ظن الملك بوصفه “أميرا للمؤمنين”، لذلك كانت خطته تطوير الرابطة وتجديد آليات اشتغالها خدمة لكل ما يرتبط بالعلوم الإسلامية، وعمل بشكل متواتر باغتنام كل منصة بالداخل والخارج للترويج لخطابه المتزن لأجل تفكيك خطاب التطرف.وتشرف الرابطة على نشر قيم الإسلام وتفكيك الخطاب المتطرف من طرف الجماعات الجهادية ومنصاتها على مواقع التواصل الاجتماعي. وقد كانت بصمة عبادي واضحة داخل هذه المؤسسة، حيث أسس مراكز للدراسات والبحوث ووحدات بحثية متخصصة، مع إصدار مجلات علمية محكمة ومواقع إلكترونية متخصصة، وسلاسل للأطفال مثل “الفطرة” و”أيمن ونهى” وغيرهما.

أبعاد البرنامج الفكري

عبادي يتمتع بحضور واسع لدى المؤسسات الرسمية والمراكز العلمية الدولية، ومن خلال دوره ينقل جهود المغرب لمحاربة التطرف وتجديد الخطاب الديني ومعالجة القضايا الساخنة.
عبادي يتمتع بحضور واسع لدى المؤسسات الرسمية والمراكز العلمية الدولية، ومن خلال دوره ينقل جهود المغرب لمحاربة التطرف وتجديد الخطاب الديني ومعالجة القضايا الساخنة

وينبني البرنامج العام للرابطة المحمدية للعلماء على ثلاثة أبعاد، أولها فكري مضموني يجب أن يكون خاضعا للتكوين، ثم بعد وجداني مرتبط بالإبداعية. وأوضح أنه تم التعاون في هذا الإطار مع اختصاصيين في علم النفس حول كيفية إطلاق هذه الإبداعية لتجعل الريادة للشباب، أما البعد الثالث، وفق عبادي، فهو البعد التقني، وهو مرتبط بكيفية إعداد الحسابات والمنتوج الرقمي.

جهود عبادي في إبراز أدوار الرابطة المحمدية للعلماء وإغناء البحث العلمي والدراسات الإسلامية، لا تغفلها عين المراقب، فهو المساهم الأبرز في تأسيس وحدة مختصة لتفكيك الخطاب المتطرف.

ونظرا إلى أهمتها الحيوية على مستوى العالم الإسلامي فقد جددت منظمة العالم الإسلامي للتربية والعلوم والثقافة “إسيسكو” تأكيدها على أنها ستواصل العمل مع الرابطة لخدمة قضايا الأمة وتقديم الصورة الحضارية للإسلام. وكانت الإسيسكو قد كرمّت عبادي من قبل تقديرا لجهوده في إبراز أدوار مؤسسة العلماء وإغناء البحث العلمي والدراسات الإسلامية، وسلّمته الدرع الذهبي للمنظمة. وهو تكريم قال عنه سالم بن محمد المالك المدير العام للإيسيسكو، إنه يأتي تقديرا وعرفانا لما يقدمه عبادي والرابطة المحمدية للعلماء من جهود في تفكيك خطاب التطرف وتمنيع الشباب ضده، ومن دعم لا محدود لقضايا المسلمين في العالم أجمع.

وكخبير في الخطاب الإسلامي فإن عبادي معروف عند المؤسسات الرسمية والمراكز العلمية بأميركا وأوروبا الغربية، ومن خلال حضوره ينقل جهود المغرب لمحاربة التطرف العنيف، ومقاربة المملكة في مجال تدبير الحقل الديني، ومن هنا فإن انفتاحه على العلوم والثقافات والأديان أهله ليبرز كعالم مغربي مقنع لتجديد الخطاب الديني ومعالجة القضايا الساخنة.

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى